الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
192 [ ص: 310 ] الأصل

[ 136 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع، ولا يرفع بين السجدتين".

التالي السابق


الشرح

هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين من أوجه عن الزهري، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن سفيان، ورواه عن ابن عمر نافع كما رواه سالم، ورواه عن الزهري كما رواه سالم الجم الغفير منهم: مالك بن أنس، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل.

وفي الباب عن عمر، وعلي، وأنس، وأبي هريرة، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأبي حميد وأبي أسيد الساعديين، وجابر، وأبي موسى، ومحمد بن مسلمة، وأبي قتادة، وغيرهم - رضي الله عنهم -.

وهو أصل في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وعند الركوع والاعتدال، ثم في الحديث رفعهما إلى محاذاة المنكبين وكذلك هو في رواية علي وأبي حميد وهو إحدى الروايات عن وائل بن حجر، وفي رواية عنه أنه رفع حيال أذنيه وفي رواية مالك بن الحويرث أنه رفع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.

وجرى الشافعي في الأم وغيره على ما رواه ابن عمر؛ لأنه [ ص: 311 ] أثبت إسنادا وأكثر رواة، ولأن ذلك القدر من الرفع متفق عليه، وعن أبي ثور أن الشافعي جمع بين الروايات فقال: يحاذي بكفيه منكبيه، وبإبهامه شحمة أذنيه، وبسائر أصابعه رءوس أذنيه واستحسنه جماعة من الأصحاب وأخذوا به، ويدل عليه ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى الصلاة يضع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ثم كبر.

وقوله: إذا افتتح الصلاة رفع يديه هذا النظم يحتمل أن يراد به المقاربة، ويحتمل أن يراد به تقديم الرفع على الافتتاح ويكون المعنى إذا أراد الافتتاح، كما في قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا .

ويحتمل من جهة اللفظ أن يراد به تقديم الافتتاح على الرفع، كما يقال: إذا زارني فلان أكرمته وهو غير منزل على الاحتمال الثالث باتفاق الأصحاب، ولهم وجهان بحسب الاحتمالين الأولين:

أحدهما: أنه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير وابتداء الافتتاح.

والثاني: أنه يرفع أولا ثم يكبر، وعلى هذا فوجهان:

أحدهما: أنه يكبر واليد مرفوعة ثم يرسلها.

والثاني: أنه يبتدئ بالتكبير مع ابتداء الإرسال.

وقوله: وبعد ما يرفع أي: يرفع رأسه معتدلا، وورد في الصحيح من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع اليدين في موضع رابع سوى الثلاثة المذكورة في الحديث وهو [ ص: 312 ] عند القيام من الركعتين، وذكر بعض الأصحاب أن ما ثبت في السنة فهو مذهب الشافعي - رضي الله عنه - وإن لم يذكره.




الخدمات العلمية