الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : قوله تعالى : ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الجملة المذكورة مع كلمة "لو" خبر "إن" . فإن قيل : لم وحد الراجع في قوله : ( ليفتدوا به ) مع أن المذكور السابق بيان ما في الأرض جميعا ومثله ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : التقدير كأنه قيل : ليفتدوا بذلك المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( ولهم عذاب أليم ) يحتمل أن يكون في موضع الحال ، ويحتمل أن يكون عطفا على الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : المقصود من هذا الكلام التمثيل للزوم العذاب لهم ، فإنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقال للكافر يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به ؟ فيقول نعم فيقال له : قد سئلت أيسر من ذلك فأبيت " .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 175 ] النوع الثاني من الوعيد المذكور في هذه الآية :

                                                                                                                                                                                                                                            قوله : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : إرادتهم الخروج تحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم قصدوا ذلك وطلبوا المخرج منها كما قال تعالى : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) ( السجدة : 2 ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قيل : إذا رفعهم لهب النار إلى فوق فهناك يتمنون الخروج . وقيل : يكادون يخرجون من النار لقوة النار ودفعها للمعذبين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنهم تمنوا ذلك وأرادوه بقلوبهم ، كقوله تعالى في موضع آخر : ( ربنا أخرجنا منها ) ( المؤمنون : 107 ) ويؤكد هذا الوجه قراءة من قرأ : (يريدون أن يخرجوا من النار ) بضم الياء .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يخرج من النار من قال "لا إله إلا الله" على سبيل الإخلاص . قالوا : لأنه تعالى جعل هذا المعنى من تهديدات الكفار ، وأنواع ما خوفهم به من الوعيد الشديد ، ولولا أن هذا المعنى مختص بالكفار وإلا لم يكن لتخصيص الكفار به معنى ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ومما يؤيد هذا الذي قلناه قوله : ( ولهم عذاب مقيم ) وهذا يفيد الحصر ، فكان المعنى : ولهم عذاب مقيم لا لغيرهم ، كما أن قوله : ( لكم دينكم ) أي لكم لا لغيركم ، فكذا ههنا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية