الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا شرط مع الإحرام الإحلال بالمرض ، وهو أن يقول في إحرامه : إن حبسني مرض ، أو انقطعت في نفقة ، أو عاقني عائق من ضلال طريق أو خطأ في عدو ، تحللت ، فقد ذهب الشافعي في القديم إلى انعقاد هذا الشرط ، وجواز الإحلال به ، كحديث ضباعة بنت الزبير ، وعلق القول في الجديد على صحة حديث ضباعة : لأنه رواه مرسلا ، ورواه مسندا ، وروى مثله موقوفا ، فأما المرسل فهو ما رواه الشافعي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير ، فقال لها : أتريدين الحج ، فقالت : إني شاكية ، فقال : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، وأما المسند فرواه الشافعي عن عبد الله بن الحرث عن ابن جريج عن ابن الزبير عن طاوس وعكرمة عن ابن [ ص: 360 ] عباس قال : قالت ضباعة بنت الزبير : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني امرأة ثقيلة ، وإني أريد الحج ، فقال : أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني .

                                                                                                                                            وأما الموقوف فرواه الشافعي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال : قالت لي عائشة رضي الله عنها : هل تستثني إذا حججت ؟ قلت لها : ماذا أقول ؟ فقالت : قل اللهم الحج أردت ، وله عمدت ، فإن يسرته لي فهو الحج ، وإن حبسني حابس فهي عمرة ، فاختلف أصحابنا ، فكان بعضهم يخرج انعقاد الشرط وجواز الإحلال به ، على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه منعقد به ، والعمل به جائز : لما روي فيه من الأخبار .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه غير منعقد ، والعمل به غير جائز ؛ لقول الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] ، وقال آخرون من أصحابنا : الشرط منعقد قولا واحدا : لأنه في الجديد توقف عن العمل به : لأجل الحديث وصحته ، أو قد صححه أصحاب الحديث ، فلذلك انعقد الشرط قولا واحدا ، وجاز العمل به ، فعلى هذا لا ينعقد الشرط حتى يكون مقترنا بإحرامه ، فإن شرط قبل إحرامه أو بعده لم ينعقد الشرط ، وإن كان الشرط مقترنا بإحرامه ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون فيه غرض صحيح .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يكون فيه غرض صحيح .

                                                                                                                                            فإن كان فيه غرض صحيح ، وهو أن يقول : إن حبسني مرض ، أو انقطعت بي نفقة ، أحللت ، أو أنا حلال ، أو يشترط فيقول : إن أخطأت العدد ، أو ضللت عن الطريق ، أو عاقني عائق ، ففاتني الحج ، كان حجي عمرة ، فهذه الشروط كلها منعقدة : لما فيها من الغرض الصحيح ، وإن لم يكن في الشروط غرض صحيح ، مثل قوله : أنا محرم بحج ، فإن أحببت الخروج منه خرجت ، وإن لم يساعدني زيد قعدت ، فهذا وما أشبهه من الشروط فاسدة ، لا تنعقد ، ولا يجوز الإحلال بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية