الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 362 ] باب حصر العبد المحرم بغير إذن سيده ، والمرأة تحرم بغير إذن زوجها

                                                                                                                                            ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإن أحرم العبد بغير إذن سيده والمرأة بغير إذن زوجها فهما في معنى الإحصار وللسيد والزوج منعهما وهما في معنى العدو في الإحصار وفي أكثر من معناه ، فإن لهما منعهما وليس ذلك للعدو ، ومخالفون له في أنهما غير خائفين خوفه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما العبد فقد ذكرنا أنه ليس له الإحرام بغير إذن سيده لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العبد مملوك الرقبة ، مستحق المنفعة ، وفي إحرامه تعطيل لما ملك عليه من منفعته .

                                                                                                                                            والثاني : أن العبد لا يلزمه الحج ، فإذا أحرم كان تطوعا ، وللسيد أن يمنع عبده من تطوعه ، فإذا أحرم العبد ، فإن كان بإذن سيده ، لزمه تمكينه ، وإن كان بغير إذن سيده ، فالمستحب له أن يمكنه ، ويجوز أن يمنعه : لما عليه من الضرر بإحرامه ، وتعطيل ما يستحقه من منافعه ، فإذا منعه السيد ، كان عليه أن يرجع ، وله أن يتحلل : لأنه لما جاز أن يتحلل المحصر بالعدو ، وهو ممنوع بظلم ، فأولى أن يتحلل العبد بمنع السيد ، إذ هو ممنوع بحق ، فإذا أراد الإحلال ، فلا يخلو حال سيده من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يملكه هديا ، أو لا يملكه ، فإن لم يملكه هديا فهو كالحر المعسر ، فإن قلنا : إن دم الإحصار لا بدل له ، كان الدم في ذمته إذا أعتق وأيسر أتى به ، وهل له أن يتحلل قبل الإتيان به ؟ على قولين مضيا ، ومن أصحابنا من قال : يتحلل العبد قولا واحدا ، بخلاف الحر المعسر : لأن في بقائه على إحرامه إضرارا بسيده ، وإن قلنا : إن لدم الإحصار بدلا فبدله هاهنا الصوم : لأن العبد لا يملك شيئا ، وفي قدره ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : صيام ثلاثة أيام .

                                                                                                                                            والثاني : صيام عشرة أيام .

                                                                                                                                            والثالث : تقوم الشاة دراهم ، والدراهم طعاما ، ويصوم عن كل مد يوما ، ثم هل يكون على إحرامه حتى يصوم أو يجوز أن يتحلل ؟ قيل : يصوم على قولين ، ومن أصحابنا من قال : يتحلل قولا واحدا ، فأما إن ملكه سيده دما ، فعلى قولين :

                                                                                                                                            [ ص: 363 ] أحدهما : ينحره ولا يصوم على قوله - في القديم - : إن العبد يملك إذا ملك .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجزئه ذلك على قوله - في الجديد : إن العبد لا يملك إذا ملك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية