الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4626 403 - حدثنا سعد بن حفص ، حدثنا شيبان ، عن يحيى قال : أخبرني أبو سلمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، وأبو هريرة جالس عنده فقال : أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة ، فقال ابن عباس : آخر الأجلين . قلت أنا وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة ، فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها ، فقالت : قتل زوج سبيعة الأسلمية ، وهي حبلى ، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ، فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو السنابل فيمن خطبها

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي ، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية ، ويحيى هو ابن أبي كثير صالح من أهل البصرة سكن اليمامة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الطلاق ، عن محمد بن المثنى وغيره ، وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وغيره في التفسير عن محمد بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأبو هريرة " الواو فيه للحال . قوله : " آخر الأجلين " ، أي أقصاهما يعني لا بد لها من انقضاء أربعة أشهر وعشرا ، ولا يكفي وضع الحمل إن كانت هذه المدة أكثرهما ، ومن وضع الحمل إن كانت مدته أكثر . قوله : " قلت أنا " القائل أبو سلمة بن عبد الرحمن . قوله : " أنا مع ابن أخي " هذا على عادة العرب ; إذ ليس هو ابن أخيه حقيقة . قوله : " كريبا " نصب ; لأنه عطف بيان على قوله غلاما . قوله : " سبيعة " بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ، ثم عين مهملة بنت الحارث .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 246 ] الأسلمي
                                                                                                                                                                                  قيل : إنها أول امرأة أسلمت بعد صلح الحديبية وزوجها سعد بن خولة ، قال عروة : خولة من بني عامر بن لؤي ، وكان من مهاجرة الحبشة وشهد بدرا ، فإن قلت : قال في الجنائز إن سعد بن خولة مات بمكة ، وفي قصة بدر : توفي عنها ، وهنا قال : قتل . قلت المشهور الموت لا القتل ، وإنها قالت بالقتل بناء على ظنها . قوله : " بأربعين ليلة " وجاء بخمسة وثلاثين يوما ، وجاء بخمس وعشرين ليلة ، وجاء بثلاث وعشرين ليلة ، وفي رواية : بعشرين ليلة ، وهذا كله في تفسير عبد وابن مردويه ، ومحمد بن جرير قوله : " فخطبت " على صيغة المجهول . قوله : " أبو السنابل " هو ابن بعكك واسمه لبيد . وقيل : عمرو . وقيل : عبد الله . وقيل : أصرم . وقيل : حبة بالباء الموحدة . وقيل : حنة بالنون . وقيل : لبيد ربه ، وبعكك بفتح الباء الموحدة ، وسكون العين المهملة وبكافين ، أولاهما مفتوحة - ابن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري ، وأمه عمرة بنت أوس من بني عذرة بن سعد هذيم من مسلمة الفتح - كان شاعرا ، ومات بمكة - قاله أبو عمر ، وقال العسكري : هذا غير أبي السنابل عبد الله بن عامر بن كريز القرشي .

                                                                                                                                                                                  وفقه هذا الحديث أن أجل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين عند ابن عباس ، وروي عن علي وابن أبي ليلى أيضا ، واختاره سحنون ، وروي عن ابن عباس رجوعه وانقضاء العدة بوضع الحمل ، وعليه فقهاء الأمصار ، وهو قول أبي هريرة وعمر وابن مسعود وأبي سلمة ، وسبب الخلاف تعارض الآيتين ; فإن كلا منهما عام من وجه وخاص من وجه ، فقوله والذين يتوفون منكم عام في المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء كن حوامل أم لا . وقوله وأولات الأحمال عام في المتوفى عنهن سواء كن حوامل أم لا ، فهذا هو السبب في اختيار من اختار أقصى الأجلين ; لعدم ترجيح أحدهما على الآخر ، فيوجب أن لا يرفع تحريم العدة إلا بيقين ، وذلك بأقصى الأجلين ، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على الحديث المذكور ، فإنه مخصص لعموم قوله والذين يتوفون منكم وليس بناسخ ; لأنه أخرج بعض متناولاتها ، وحديث سبيعة أيضا متأخر عن عدة الوفاة ; لأنه كان بعد حجة الوداع .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية