الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من المشاهير والأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حمادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي - نسبة إلى فرضة [ ص: 707 ] نهر بالبصرة - ابن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، الشيخ الحافظ الواعظ جمال الدين أبو الفرج ، المشهور بابن الجوزي ، القرشي التيمي البغدادي الحنبلي ، أحد أفراد العلماء ، برز في كثير من العلوم ، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف ، وكتب بيده نحوا من ألفي مجلدة ، وتفرد بفن الوعظ الذي لم يسبق إلى مثله ، ولا يلحق شأوه في طريقته وشكله ، وفي فصاحته وبلاغته وعذوبة كلامه ، وحلاوة ترصيعه ، ونفوذ وعظه ، وغوصه على المعاني البديعة ، وتقريبه الأشياء الغريبة فيما يشاهد من الأمور الحسية ، بعبارة وجيزة سريعة ، هذا وله في العلوم كلها اليد الطولى ، والمشاركات في سائر أنواع العلوم من التفسير والحديث والتاريخ والحساب ، والنظر في النجوم ، وله من المصنفات في ذلك ما يضيق هذا المقام عن تعدادها ، وحصر أفرادها ; منها كتابه في التفسير المشهور ب " زاد المسير " وله أبسط منه ولكنه ليس بمشهور ولا منكور ، وله " جامع المسانيد " استوعب فيه غالب " مسند الإمام أحمد " و " صحيحي البخاري ومسلم " و " جامع الترمذي " ، وله كتاب " المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم " في عشرين مجلدا ، قد أوردنا في كتابنا هذا كثيرا من حوادثه وتراجمه ، فلم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار هو تاريخا ، وما أحقه بقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله مقامات وخطب ، وله " الأحاديث الموضوعة " و " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة عشر وخمسمائة ، ومات أبوه وعمره ثلاث سنين ، وكان أهله تجارا [ ص: 708 ] في النحاس ، فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ، فلزم الشيخ ، وسمع عليه الحديث ، وتفقه بابن الزاغوني ، وحفظ الوعظ ، ووعظ وهو دون العشرين ، وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي ، وكان صينا دينا ، مجموعا على نفسه لا يخالط أحدا ، ولا يأكل مما فيه شبهة ، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة ، وقد حضر مجلس وعظه الخلفاء والوزراء والملوك والأمراء والعلماء والفقراء ، ومن سائر صنوف بني آدم ، وأقل ما كان يجتمع في مجلسه عشرة آلاف ، وربما اجتمع فيه مائة ألف أو يزيدون ، وربما تكلم من خاطره على البديهة نظما ونثرا ؛ رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبالجملة كان أستاذا فردا في الوعظ ، له مشاركات حسنة في بقية العلوم ، وقد كان فيه بهاء ، وترفع في نفسه ، ويسمو بنفسه أكثر من مقامه ، وذلك ظاهر في نثره ونظمه ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما زلت أدرك ما غلا بل ما علا     وأكابد النهج العسير الأطولا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجري بي الآمال في حلباته     طلق السعيد جرى مدى ما أملا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يفضي بي التوفيق فيه إلى الذي     أعمى سواي توصلا وتغلغلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو كان هذا العلم شخصا ناطقا     وسألته هل زرت مثلي قال لا



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره أيضا ، ويروى لغيره :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا قنعت بميسور من القوت     أصبحت في الناس حرا غير ممقوت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا قوت نفسي إذا ما در خلفك لي     فلست آسى على در وياقوت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 709 ] وله من النظم والنثر شيء كثير لا ينضبط ، وله كتاب مفرد سماه : " نظم الجمان في كان وكان " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن لطائف كلامه قوله في الحديث : أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين إنما طالت أعمار من قبلنا لطول البادية ، فلما شارف الركب بلد الإقامة ، قيل لهم : حثوا المطي . وقال له رجل : أيما أفضل ؟ أجلس أسبح أو أستغفر ؟ فقال : الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسئل عمن أوصى وهو في السياق ، فقال : هذا طين سطوحه في كانون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والتفت يوما إلى ناحية الخليفة المستضيء وهو في الوعظ فقال : يا أمير المؤمنين ; إن تكلمت خفت منك ، وإن سكت خفت عليك ، وإن قول القائل : اتق الله ، خير لكم من قوله : إنكم أهل بيت مغفور لكم . وكان عمر بن الخطاب يقول : إذا بلغني عن عامل أنه ظالم فلم أغيره ، فأنا الظالم . يا أمير المؤمنين ; وكان يوسف لا يشبع في زمن القحط حتى لا ينسى الجيعان ، وكان عمر يضرب بطنه عام الرمادة ويقول : قرقر أو لا تقرقر ، والله لا سمنا ولا سمينا حتى يخصب الناس . قال : فتصدق المستضيء بمال جزيل ، وأطلق المحابيس ، وكسى خلقا من الفقراء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد ابن الجوزي في حدود سنة عشر وخمسمائة ، كما تقدم ، وكانت [ ص: 710 ] وفاته في ليلة الجمعة بين العشاءين الثاني عشر من رمضان من هذه السنة ، وله سبع وثمانون سنة ، وحملت جنازته على رءوس الناس ، فدفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد ، وكان يوما مشهودا ، حتى قيل : إنه أفطر جماعة من الناس بسبب شدة الحر وكثرة الزحام ؛ رحمه الله ، وقد أوصى أن تكتب على قبره هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا كثير العفو عمن     كثر الذنب لديه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جاءك المذنب يرجو الصف     ح عن جرم يديه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنا ضيف وجزاء الضي     ف إحسان إليه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان للشيخ جمال الدين بن الجوزي من الأولاد الذكور ثلاثة ; عبد العزيز ، وهو أكبر أولاده ، مات شابا في حياة والده في سنة أربع وخمسين ، ثم أبو القاسم علي ، وقد كان عاقا لوالده إلبا عليه في زمن المحنة وغيرها ، وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط ، فباعها بأبخس الأثمان ، ثم محيي الدين يوسف ، وكان أنجب الأولاد وأصغرهم ; ولد سنة ثمانين ووعظ بعد أبيه ، واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه ، ثم باشر حسبة بغداد ثم كان رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد ، ولا سيما إلى بني أيوب بالشام ، وقد حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتنى به المدرسة الجوزية التي بالنشابين بدمشق ، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة ، واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة عام هولاكو بن تولي بن جنكزخان ، وكان لأبي الفرج عدة بنات ; منهن رابعة أم سبطه أبي المظفر بن قزاوغلي صاحب " مرآة الزمان " وهي كتاب [ ص: 711 ] من أجمع التواريخ وأكثرها فائدة ، وقد ذكره ابن خلكان في " الوفيات " فأثنى عليه ومدحه وشكر تصانيفه وعلومه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العماد الكاتب الأصبهاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أله - بتشديد اللام وضمها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      - المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني ، صاحب المصنفات والرسائل والشعر ، ولد بأصبهان في سنة تسع عشرة وخمسمائة ، وقدم بغداد فاشتغل بها على الشيخ أبي منصور سعيد بن الرزاز مدرس النظامية ، وسمع الحديث ، ثم رحل إلى الشام فحظي عند الملك نور الدين محمود بن زنكي ، وكتب بين يديه وولاه المدرسة التي أنشأها داخل باب الفرج التي يقال لها العمادية ; نسبة إلى العماد هذا لكثرة إقامته بها ، وتدريسه فيها ، ولم يكن أول من درس بها ، بل قد سبقه إلى تدريسها غير واحد ، كما تقدم في ترجمة نور الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم صار العماد كاتبا في الدولة الصلاحية ، وكان القاضي الفاضل يثني عليه ويشكره ، قالوا : وكان منطوقه يعتريه جمود وفترة ، وقريحته في غاية الجودة والحدة . وقد قال القاضي الفاضل لأصحابه يوما : قولوا ، فتكلموا وشبهوه في هذه الصفة بصفات ، فلم يقبلها القاضي ، وقال : هو كالزناد ، ظاهره بارد [ ص: 712 ] وداخله نار ، وله من المصنفات : " خريدة القصر في شعراء العصر " و " الفتح القدسي " و " البرق الشامي " وغير ذلك من المصنفات المسجعة ، والعبارات المصرعة ، والقصائد المطولة ، والمعاني والألفاظ المؤثلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن لطيف تغزله ، قوله هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كيف قلتم في مقلتيه فتور     وأراها بلا فتور تجور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو بصرتم بطرفه كيف يسبي     قلتم ذاك كاسر لا كسير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      موتر قوس حاجبيه لإصما     ء فؤادي كأنه موتور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تسلني عن العقار فعقلي     طافح من عقارهن عقير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كيف يصحو من سكره مستهام     مزجت كأسه الحسان الحور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أورثته سقامها الحدق النج     ل وأهدت له النحول الخصور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما تصيد الأسد الخوادر إلا     ظبيات كناسهن الخدور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل غصنية الموشح هيفا     ء على البدر جيبها مزرور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجنات تجني الشقائق منها     وثنايا كأنها المنثور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كانت وفاته في مستهل رمضان من هذه السنة عن ثمان وسبعين سنة ؛ رحمه الله ، ودفن بمقابر الصوفية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير بهاء الدين قراقوش

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفحل الخصي ، أحد كبراء أمراء الدولة الصلاحية ، كان شهما شجاعا فاتكا ، تسلم القصر لما مات العاضد ، وعمر سور [ ص: 713 ] القاهرة محيطا على مصر أيضا ، وانتهى إلى المقسم ; وهو المكان الذي اقتسمت فيه الصحابة ما غنموا من الديار المصرية ، وبنى قلعة الجبل ، وقد كان الملك صلاح الدين سلمه عكا ليعمر فيها أماكن كثيرة ، فوقع الحصار وهو بها ، فلما خرج البدل منها كان هو من جملة من خرج ، ثم دخلها ابن المشطوب . وقد ذكر أنه أسر فافتدى نفسه بعشرة آلاف دينار ، وعاد إلى صلاح الدين ففرح به فرحا شديدا ، ولما توفي في هذه السنة احتاط العادل على تركته وصارت أقطاعه وأملاكه للملك الكامل محمد بن العادل . قال القاضي ابن خلكان : وقد نسب إليه أحكام عجيبة ، حتى صنف بعضهم جزءا لطيفا سماه : كتاب " الفاشوش في أحكام قراقوش " فذكر أشياء كثيرة جدا وأظنها موضوعة عليه ; فإن الملك صلاح الدين كان يعتمد عليه ، وما كان ليفعل ذلك وهو بهذه المثابة ! والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مكلبة بن عبد الله المستنجدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان تركيا عابدا زاهدا ، سمع المؤذن وقت السحر وهو ينشد على المنارة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا رجال الليل جدوا     رب صوت لا يرد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما يقوم الليل إلا     من له عزم وجد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبكى مكلبة ، وقال للمؤذن : يا مؤذني زدني ، فقال المؤذن :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد مضى الليل وولى     وحبيبي قد تجلى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 714 ] فصرخ مكلبة صرخة كان فيها حتفه ، فأصبح أهل البلد قد اجتمعوا على بابه ، فالسعيد من وصل إلى نعشه ؛ رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو منصور بن أبي بكر بن شجاع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المزكلش
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ببغداد ، ويعرف بابن نقطة ، كان يدور في أسواق بغداد بالنهار ينشد كان وكان والمواليا ، ويسحر الناس في ليالي رمضان ، وكان مطبوعا ظريفا خليعا ، وكان أخوه الشيخ عبد الغني الزاهد من أكابر الصالحين ، له زاوية ببغداد يزار فيها ، وكان له أتباع ومريدون ، ولا يدخر شيئا يحصل له من الفتوح . تصدق في ليلة بألف دينار وأصحابه صيام لم يدخر منها شيئا لعشائهم . وزوجته أم الخليفة بجارية من خواصها وجهزتها بعشرة آلاف دينار إليه ، فما حال الحول وعندهم من ذلك شيء ، بل جميع ذلك يؤثر به ويتصدق به حتى لم يبق عندهم سوى هاون ، فوقف سائل ببابه فألح في الطلب ، فأخرج إليه الهاون ، فقال : خذ هذا وكل به ثلاثين يوما ، ولا تشنع على الله عز وجل ، وكان من خيار الصالحين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمقصود أنه قيل لأخيه أبي منصور هذا : ويحك ، أنت تدور في الأسواق وتنشد الأشعار ، وأخوك من قد عرفت ! فأنشأ يقول في جواب ذلك بيتين مواليا من شعره على البديهة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد خاب من شبه الجزعه إلى الدره     وشابه قحبه إلى مستجنه حره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 715 ] أنا مغني وأخي زاهد إلى مره     في الدار بئرين ذي حلوه وذي مره



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد جرى عنده مرة ذكر قتل عثمان ، وعلي حاضر ، فأنشأ يقول : كان وكان ، ومن قتل في جواره مثل ابن عفان فاعتذر ، يجب عليه أن يقبل في الشام عذر يزيد . فأرادت الروافض قتله ، فاتفق أنه في بعض الليالي يسحر الناس في رمضان إذ مر بدار الخليفة فعطس الخليفة في الطارقة فشمته أبو منصور هذا من الطريق في نظم ارتجله على البديهة مواليا يقول في آخره :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أي من عطس في المنظره يرحمك الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأرسل إليه مائة دينار ، ورسم بحمايته من الروافض ، إلى أن مات في هذه السنة ؛ رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخشوعي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شارك ابن عساكر في كثير من مشيخته ، وطالت حياته بعد وفاته بسبع وعشرين سنة ، فألحق فيها الأحفاد بالأجداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية