الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما فقال انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقالوا إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث فكلوا وتصدقوا وادخروا ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا يعني لا تقولوا سوءا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1048 1033 - ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) المعروف بربيعة الرأي ( عن أبي سعيد ) بفتح السين وكسر العين سعد بن مالك بن سنان ( الخدري ) له ولأبيه صحبة ، قال ابن عبد البر : لم يسمع ربيعة من أبي سعيد والحديث صحيح محفوظ رواه جماعة عن أبي سعيد منهم القاسم بن محمد ومعلوم ملازمة ربيعة للقاسم حتى كان يغلب على مجلسه ، وقد جاء من حديث علي وبريدة وجابر وأنس وغيرهم ( أنه قدم ) بكسر الدال ( من سفر فقدم ) بفتح الدال الثقيلة ( إليه أهله لحما ) ؛ أي : وضعوه بين يديه ( فقال : انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى ، فقالوا : هو منها ، فقال أبو سعيد : ألم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها ؟ فقالوا : ) ؛ أي : أهله ؛ أي : زوجته ( إنه قد كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدك أمر ) ناقض للنهي عن أكل الأضاحي بعد ثلاث ، وفي رواية أحمد : " فقالت له امرأته : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص فيه " وفي رواية البخاري فقال : أخروه لا أذوقه ( فخرج أبو سعيد ) من بيته ( فسأل عن ذلك ) وفي البخاري : فخرجت من البيت حتى آتي أخي قتادة : أي : ابن النعمان ، وكان أخاه لأمه ، وكان بدريا فذكرت ذلك له فقال لي : إنه قد حدث بعدك أمر ( فأخبر ) بالبناء للمجهول ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : نهيتكم عن لحوم الأضحى ) ؛ أي : عن إمساكها وادخارها والأكل منها ( بعد ثلاث ) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر وأمرتكم [ ص: 116 ] بالتصدق بما بقي بعد الثلاث زاد في رواية ابن ماجه عن بريدة : ليوسع ذو الطول على من لا طول له ( فكلوا ) زاد بريدة ما بدا لكم ؛ أي : مدة بدو الأكل لكم ( وتصدقوا وادخروا ) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة ، فيباح الآن الادخار فوق ثلاث والأكل متى شاء مطلقا .

                                                                                                          قال القرطبي : هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم تبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة ، وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض .

                                                                                                          ونقل النووي عن الجمهور أن هذا من نسخ السنة بالسنة .

                                                                                                          وقال ابن العربي : قد كان أكلها مباحا ثم حرم ثم أبيح ، ففيه رد على قول المعتزلة لا يكون النسخ إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين كان أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر .

                                                                                                          ( ونهيتكم عن الانتباذ ) في أواني كالمزفت والنقير ( فانتبذوا ) في أي وعاء كان ( وكل مسكر حرام ) ؛ أي : ما شأنه الإسكار من أي شراب كان ولا دخل للأواني .

                                                                                                          وفي مسلم عن بريدة : " نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل شيئا ولا تحرمه وكل مسكر حرام " وفيه عنه أيضا : " كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا " وهذا نسخ صريح لحرمة نهيه عن الانتباذ في الدباء والمزفت ونحوهما في حديث وفد عبد القيس .

                                                                                                          واختلف هل بقيت الكراهة ؟ وعليه مالك ومن وافقه أو لا كراهة ؟ وعليه الجمهور .

                                                                                                          ( ونهيتكم عن زيارة القبور ) لحدثان عهدكم بالكفر وكلامكم بالخناء وبما يكره فيها ، أما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى ( فزوروها ) زاد في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح : " فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة " قال البيضاوي : الفاء متعلق بمحذوف ؛ أي : نهيتكم عن زيارتها مباهاة بالتكاثر فعل الجاهلية ، أما الآن فقد جاء الإسلام وهدمت قواعد الشرك فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر الموت والبلا ( ولا تقولوا هجرا ) بضم الهاء وإسكان الجيم ( يعني لا تقولوا سوءا ) ؛ أي : قبيحا وفحشا والخطاب للرجال فلم يدخل فيه النساء فلا يندب لهن على المختار لكن يجوز بشروط .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : قيل كان النهي عاما للرجال والنساء ثم نسخ بالإباحة العامة أيضا لهما فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن وكانت فاطمة تزور قبر حمزة ، وقيل : إنما نسخ للرجال دون النساء لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زوارات القبور ، فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن .




                                                                                                          الخدمات العلمية