الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          211 - مسألة : ومن أيقن بالوضوء والغسل ثم شك هل أحدث أو كان منه ما يوجب الغسل أم لا فهو على طهارته ، وليس عليه أن يجدد غسلا ولا وضوءا ، فلو اغتسل وتوضأ ثم أيقن أنه كان محدثا أو مجنبا ، أو أنه قد أتى بما يوجب الغسل لم يجزه الغسل ولا الوضوء اللذان أحدثا بالشك ، وعليه أن يأتي بغسل آخر ووضوء آخر ، ومن أيقن بالحدث وشك في الوضوء أو الغسل فعليه أن يأتي بما شك فيه من ذلك ، [ ص: 320 ] فإن لم يفعل وصلى بشكه ثم أيقن أنه لم يكن حدثا ولا كان عليه غسل لم تجزه صلاته تلك أصلا . برهان ذلك قول الله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وداود ، وقال مالك : يتوضأ في كلا الوجهين ، واحتج بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر من شك فلم يدر كم صلى بأن يلغي الشك ويبني على اليقين } قال أبو محمد : وهذا خطأ من وجهين ، أحدهما تركهم للخبر الوارد في المسألة بعينها ومخالفتهم له ، وأن يجعلوا هذا الأمر حدثا يوجب الوضوء في غير الصلاة ولا يوجبه في الصلاة ، وهذا تناقض قد أنكروا مثله على أبي حنيفة في الوضوء من القهقهة في الصلاة دون غيرها وأخذهم بخبر جاء في حكم آخر .

                                                                                                                                                                                          والثاني أنهم احتجوا بخبر هو حجة عليهم ; لأنه عليه السلام لم يجعل للشك حكما ، وأبقاه على اليقين عنده بلا شك ، وإن جاز أن يكون الأمر كما ظن - هذا - إلى تناقضهم ، فإنهم يقولون : من شك أطلق أم لم يطلق ، وأيقن بصحة النكاح فلا يلزمه طلاق ، ومن أيقن بصحة الملك فشك أنه أعتق أم لم يعتق فلا يلزمه عتق ، ومن تيقنت حياته وشك في موته فهو على الحياة ، وهكذا في كل شيء .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فإذا هو كما ذكرنا فإن توضأ كما ذكرنا وهو شاك في الحدث ثم أيقن بأنه كان أحدث لم يجزه ذلك الوضوء ، لأنه لم يتوضأ الوضوء الواجب عليه ، وإنما توضأ وضوءا لم يؤمر به ، ولا ينوب وضوء لم يأمر الله عز وجل به عن وضوء أمر الله تعالى به .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية