الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وخبر الواحد وإن ) فرض أنه ( خالف عمل أكثر الأمة أو ) أنه خالف ( القياس ) ( من كل وجه ) فالخبر ( مقدم ) أما كون خبر الواحد مقدما على ما عليه عمل أكثر الأمة : فهو الذي عليه جماهير العلماء . وحكاه بعضهم إجماعا . وأما كونه مقدما مع مخالفته القياس من كل وجه : فلنص أحمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما وأصحابهما والكرخي من الحنفية والأكثر من العلماء . واستدل لذلك بقول عمر رضي الله عنه " لولا هذا لقضينا فيه برأينا " وبرجوعه إلى توريث المرأة من دية زوجها ، ولعمل جماعة من الصحابة بذلك . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : أكثرهم ينهى عن الوضوء بفضل وضوء المرأة ، والقرعة في عتق جماعة في مرض موته وغير ذلك ، وشاع ولم ينكر . وقدم المالكية القياس . وقاله أكثر الحنفية : إن خالف الأصول أو معنى الأصول لا قياس الأصول . وأجازوا الوضوء بالنبيذ سفرا ، وأبطلوه بالقهقهة داخل الصلاة .

واحتجت المالكية لتقديمهم القياس باحتمال كذب الراوي وفسقه وكفره وخطئه ، والإجمال في الدلالة والتجوز والإضمار والنسخ مما لا يحتمله القياس . ورد ذلك بأنه بعيد ، وبتطرقه إلى أصل ثبت بخبر الواحد ، وبتقديم ظاهر الكتاب والسنة المتواترة مع التطرق في الدلالة . قالوا ظنه في الخبر من جهة غيره ، وفي القياس من جهة نفسه ، وهو بها أوثق . رد ذلك بأن الخطأ إليه أقرب من الخطإ في الخبر ، والخبر مستند إلى المعصوم . ويصير ضروريا بضم أخبار إليه ، ولا يفتقر إلى قياس ولا إجماع كما في لبن المصراة . وهو أصل بنفسه ، أو مستثنى للمصلحة ، وقطع النزاع لاختلاطه .

واعترض بمثل قول ابن عباس لأبي هريرة - وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { توضئوا مما مست النار } فقال { أفنتوضأ من الحميم } أي من الماء الحار . فقال أبو هريرة " يا ابن أخي إذا سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب [ ص: 315 ] له مثلا " رواه الترمذي . وابن ماجه . رد بأن ذلك استبعاد لمخالفته الظاهر . وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة . وصلى ولم يتوضأ } وأيضا خبر معاذ سبق في أن الإجماع حجة ، ولأن الخبر أقوى في غلبة الظن ; لأنه يجتهد فيه في العدالة والدلالة ، ويجتهد في القياس في ثبوت حكم الأصل ، وكونه معللا وصلاحية الوصف للتعليل ، ووجوده في الفروع ، ونفي المعارض في الأصل والفرع . ولما تعارضت الأدلة عند ابن الباقلاني : توقف في المسألة . وعند أبي الحسين : إن كانت العلة بنص قطعي فالقياس كالنص على حكمها ، وإن كان الأصل مقطوعا به فقط . فالاجتهاد والترجيح .

وعند صاحب المحصول يقدم الخبر ما لم توجب الضرورة تركه . كخبر المصراة لمعارضته الإجماع في ضمان المثل أو القيمة . وعند الآمدي ومن وافقه إن ثبتت العلة بنص راجح على الخبر ، وهي قطعية في الفرع فالقياس ، أو ظنية فالوقف . وإلا فالخبر . ومعنى كلام جماعة من أصحابنا يقتضيه ( ويعمل ب ) الحديث ( الضعيف في الفضائل ) عند الإمام أحمد رضي الله عنه والموفق والأكثر قال أحمد : إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام شددنا في الأسانيد . وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ، وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد . واستحب الإمام أحمد الاجتماع ليلة العيد في رواية . فدل على العمل به لو كان شعارا . وفي المغني في صلاة التسبيح : الفضائل لا يشترط لها صحة الخبر ، واستحبها جماعة ليلة العيد . فدل على التفرقة بين الشعار وغيره .

قاله ابن مفلح في أصوله . وعن أحمد رواية أخرى . لا يعمل بالحديث الضعيف في الفضائل . ولهذا لم يستحب صلاة التسبيح لضعف خبرها عنده ، مع أنه خبر مشهور عمل به وصححه غير واحد من الأئمة . ولم يستحب أيضا التيمم بضربتين على الصحيح عنه ، مع أن فيه أخبارا وآثارا ، وغير ذلك من مسائل الفروع . قال بعض أصحابنا : يعمل به في الترغيب والترهيب ، لا في إثبات [ ص: 316 ] مستحب ولا غيره . قال الشيخ تقي الدين عن قول أحمد وقول العلماء في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال . قال العمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب ، وتخاف ذلك العقاب . ومثال ذلك : الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العالم ، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي ، لا استحباب ولا غيره . لكن يجوز أن يدخل في الترغيب والترهيب فيما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع . فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان ذلك في نفس الأمر حقا أو باطلا . وقال في شرح العمدة في التيمم بضربتين : والعمل بالضعاف إنما يسوغ في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة . فإذا رغب في بعض أنواعه بحديث ضعيف عمل به . أما ، إثبات سنة فلا . ونقل الجماعة عن أحمد أنه كان يكتب حديث الرجل الضعيف ، كابن لهيعة وجابر الجعفي وابن أبي مريم . فيقال له . فيقول أعرفه أعتبر به ، كأني أستدل به مع غيره ، لا أنه حجة إذا انفرد . ويقول : يقوي بعضها بعضا . ويقول : الحديث عن الجعفي قد يحتاج إليه في وقت . وقال : كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي ، ثم كتبته أعتبر به . وقال أيضا : ما أعجب أمر الفقهاء في ذلك . ويزيد بن هارون من أعجبهم ، يكتب عن الرجل مع علمه بضعفه .

وفي جامع القاضي : أن الحديث الضعيف لا يحتج به في المآثم وقال الخلال : مذهبه - يعني : الإمام أحمد - أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به .

وقال في كفارة وطء الحائض : مذهبه في الأحاديث ، إن كانت مضطربة ولم يكن لها معارض قال بها . وقال أحمد في رواية عبد الله : طريقي لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب ما يدفعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية