الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  قال ابن عباس : طغى كثر ، ويقال بالطاغية بطغيانهم ، ويقال : طغت على الخزان كما طغى الماء على قوم نوح صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي قال ابن عباس في قوله تعالى : إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وفسر طغى بقوله : كثر ، وعن قتادة طغى الماء عتا فخرج بلا وزن ، ولا كيل ، وطغى فوق كل شيء خمسة عشر ذراعا ، والجارية السفينة . قوله : " ويقال بالطاغية " هو مصدر نحو الجاثية ، فلذلك فسره بقوله : بطغيانهم ، وقيل : الطاغية صفة موصوفها محذوف تقديره : وأما ثمود فأهلكوا بأفعالهم الطاغية ، يقال : طغى يطغو ، ويطغى طغيانا إذا جاوز الحد في العصيان ، فهو طاغ ، وهي طاغية ، وتستعمل هذه المادة في معان كثيرة ، يقال : طغا الرجل إذا جاوز الحد ، وطغا البحر إذا هاج ، وطغا السيل إذا كثر ماؤه ، وطغى الدم إذا نبع ، وغير ذلك ، وهاهنا ذكر أنه استعمل لمعان ثلاثة ، الأول : بمعنى الكثرة أشار إليه بقوله : وقال ابن عباس طغا كثر ، وهو في قضية قوم نوح صلى الله عليه وسلم ، والثاني : بمعنى مجاوزة الحد في العصيان ، وذلك في قوله : ويقال : بالطاغية ، وقد ذكرناه ، وهو في قوم ثمود ، والثالث : بمعنى مجاوزة الريح حده أشار إليه بقوله : ويقال : طغت على الخزان ، وهو في قضية قوم عاد ، وهو قوله تعالى وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية وقوله : " طغت " ، أي الريح خرجت بلا ضبط من الخزان ، وهو جمع خازن ، وللريح خزان لا ترسلها إلا بمقدار ، وأما عاد لما عتوا فأرسل الله عليهم ريحا عاتية ، يعني : عتت على خزانها ، فلم تطعهم ، وجاوزت الحد ، وذلك بأمر الله تعالى ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسل الله ريحا إلا بمكيال ، ولا قطرة من الماء إلا بمكيال ، إلا قوم عاد ، وقوم نوح عليه الصلاة والسلام طغيا على الخزان ، فلم يكن لهم عليهما سبيل ، وقال بعضهم : لم يظهر لي فاعل طغت ; لأن الآية في حق ثمود وهم قد أهلكوا بالصيحة ، ولو كانت عادا لكان الفاعل الريح ، وهي لها الخزان . انتهى، " قلت " : ظهر لغيره ما لم يظهر له لقصوره ، والآية في حق عاد كما ذكرناه وهم أهلكوا بريح صرصر عاتية عتت على خزانها وأما ثمود فقد أهلكوا بالطاغية كما قال الله تعالى ، وقد فسر المفسرون الطاغية بالطغيان ، وهو المجاوزة عن الحد ، وعن مجاهد ، وابن زيد أهلكوا بأفعالهم الطاغية ، ودليله قوله تعالى كذبت ثمود بطغواها والطغوى بمعنى الطغيان ، وقول هذا القائل إن الآية في حق ثمود وهم قد أهلكوا بالصيحة قول روي عن قتادة ، فإنه قال : يعني الصيحة الطاغية التي جاوزت مقادير الصياح ، وكلام البخاري على قول غيره كما ذكرناه فافهم ، ولو كان مراده على قول قتادة فلا مانع أن يكون فاعل طغت الصيحة ، ويكون المعنى خرجت الصيحة من صائحها وهم خزانها في الحقيقة بلا مقدار بحيث إنها جاوزت مقادير الصياح كما في قول قتادة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية