الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كل ذلك المذكور في تضاعيف الأوامر والنواهي السابقة من الخصال المنحلة إلى نيف وعشرين كان سيئه وهو ما نهى عنه منها من الجعل مع الله سبحانه إلها آخر وعبادة غيره تعالى والتأفيف والنهر والتبذير وجعل اليد مغلولة إلى العنق وبسطها كل البسط وقتل الأولاد خشية إملاق وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وإسراف الولي في القتل وقفو ما ليس بمعلوم والمشي في الأرض مرحا فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل.

                                                                                                                                                                                                                                      عند ربك مكروها أي: مبغضا وإن كان مرادا له تعالى بالإرادة التكوينية وإلا لما وقع كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن» وغير ذلك، وليست هذه الإرادة مرادفة أو ملازمة للرضا ليلزم اجتماع الضدين الإرادة المذكورة والكراهة كما يزعمه المعتزلة، وهذا تتميم لتعليل الأمور المنهي عنها جميعا، ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الكف عن ذلك، وتوجيه الإشارة إلى الكل ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء لما قيل: من أن البعض المذكور ليس بمذكور جملة بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيا عنده سبحانه وإنما لم يصرح بذلك إيذانا بالغنى عنه، وقيل: اهتماما بشأن التنفير عن النواهي لما قالوا من أن التخلية أولى من التحلية ودرء المفاسد أهم من جلب المصالح، وجوز أن تكون الإضافة بيانية. و «ذلك» إما إشارة إلى جميع ما تقدم ويؤخذ من المأمورات أضدادها وهي منهي عنها كما في قوله تعالى: ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا بعد قوله سبحانه: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وإما إشارة إلى ما نهى عنه صريحا فقط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحجازيان والبصريان «سيئة» بفتح الهمزة وهاء التأنيث والنصب على أنه خبر كان، والإشارة إلى ما نهى عنه صريحا وضمنا أو صريحا فقط، و مكروها قيل بدل من سيئه والمطابقة بين البدل والمبدل منه غير معتبرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وضعف بأن بدل المشتق قليل، وقيل: صفة سيئه محمولة على المعنى؛ فإنها بمعنى «سيئا» وقد قرئ به أو أن السيئة قد زال عنها معنى الوصفية وأجريت مجرى الجوامد فإنها بمعنى الذنب أو تجري الصفة على موصوف مذكر أي أمرا مكروها، وقيل: إنه خبر لكان أيضا ويجوز تعدد خبرها على الصحيح، وقيل: حال من المستكن في «كان» أو في الظرف بناء على جعله صفة. سيئه لا متعلقا ب «مكروها» فيستتر فيه ضميرها، والحال على هذا مؤكدة. وأنت تعلم أن ضمير السيئة المستتر مؤنث فجعل مكروها حالا منه كجعله صفة سيئه في الاحتياج إلى التأويل. وإضماره مذكرا في قوله: ولا أرض أبقل إبقالها لا يخفى ما فيه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قرأ: «شأنه».

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية