الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1176 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن أبيه أنه طلق امرأته في الحيض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا قال أبو عيسى حديث يونس بن جبير عن ابن عمر حديث حسن صحيح وكذلك حديث سالم عن ابن عمر وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع وقال بعضهم إن طلقها ثلاثا وهي طاهر فإنه يكون للسنة أيضا وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وقال بعضهم لا تكون ثلاثا للسنة إلا أن يطلقها واحدة واحدة وهو قول سفيان الثوري وإسحق وقالوا في طلاق الحامل يطلقها متى شاء وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقال بعضهم يطلقها عند كل شهر تطليقة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( مره فليراجعها ) اختلف في وجوب الرجعة فذهب إليه مالك ، وأحمد في رواية ، والمشهور عنه ، وهو قول الجمهور أنها مستحبة ، وذكر صاحب الهداية أنها واجبة لورود الأمر بها ، قاله العيني رحمه الله . قلت : واحتج من قال باستحباب الرجعة بأن ابتداء النكاح لا يجب ، فاستدامته كذلك ، والظاهر قول من قال بالوجوب لورود الأمر بها ( ثم ليطلقها طاهرا ، أو حاملا ) استدل به من ذهب إلى أن طلاق الحامل سني ، وهو قول الجمهور ، وعن أحمد رواية : أنه ليس بسني ، ولا بدعي ، واختلف في المراد بقوله " طاهرا " هل المراد به انقطاع الدم ، أو التطهر بالغسل ؟ على قولين ، وهما روايتان عن أحمد ، والراجح الثاني لما في رواية عند النسائي في هذه القصة ، قال : مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها ، وإن شاء أن يمسكها فليمسكها ، قاله الحافظ . قوله ( حديث يونس بن جبير عن ابن عمر حديث حسن صحيح إلخ ) حديث ابن عمر هذا أخرجه الأئمة الستة وله طرق وألفاظ قوله : ( وقال بعضهم : إن طلقها ثلاثا ، وهي طاهر فإنه يكون للسنة أيضا ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ) قال القاري في المرقاة قال في شرح السنة استدل الشافعي على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح ، ولا يكون بدعة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته البتة ما أردت بها ؟ ولم ينهه أن يريد أكثر من واحدة ، وهو قول الشافعي ، وفيه بحث فإنه إنما يدل على وقوع الثلاث ، وأما على كونه مباحا ، أو حراما فلا . انتهى ما في المرقاة . قلت : حديث ركانة هذا ضعيف مضطرب كما ستقف فهو لا يصلح أن يحتج به على أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح [ ص: 288 ] ، ولا على وقوع الثلاث ، قال العيني في شرح البخاري : واختلفوا في طلاق السنة فقال مالك : طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة ، ثم يتركها حتى تنقضي العدة برؤية أول الدم من الحيضة الثالثة ، وهو قول الليث والأوزاعي ، وقال أبو حنيفة : هذا أحسن من الطلاق ، وله قول آخر ، وهو ما إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر طلقة واحدة من غير جماع ، وهو قول الثوري وأشهب وزعم المرغيناني أن الطلاق على ثلاثة أوجه عند أصحاب أبي حنيفة حسن ، وأحسن ، وبدعي . فالأحسن أن يطلقها ، وهي مدخول بها تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ، ويتركها حتى تنقضي العدة ، والحسن ، وهو طلاق السنة ، وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار ، والبدعي أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة ، أو ثلاثا في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع الطلاق ، وكان عاصيا . انتهى كلام العيني .




                                                                                                          الخدمات العلمية