الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنها قالت كان رجل يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكن هذا رواه مسلم وزاد قالت فحجبوه : وقد اتفق عليه الشيخان من حديث أم سلمة ووصف المرأة التي نعتها أنها ابنة غيلان : . .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الخامس وعنها قالت كان رجل يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكن هذا رواه مسلم (فيه) فوائد : الأولى [ ص: 114 ] أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وفيه قالت فحجبوه : ورواه بهذا الإسناد أيضا أبو داود من طريق محمد بن ثور والنسائي من طريق رباح بن زيد كلاهما عن معمر ورواه أبو داود أيضا من طريق محمد بن ثور عن معمر عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه النسائي أيضا من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن معمر بن أبي سلمة .

                                                            واتفق عليه الأئمة الستة خلا الترمذي عن جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت قال لأخي أم سلمة يا عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان قالت فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يدخل هؤلاء عليكم .

                                                            (الثانية) : المخنث بفتح النون وكسرها لغتان الأولى أفصح هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته فيلين في قوله ويتكسر في مشيته وينثني فيها وقد يكون هذا خلقة لا صنع له فيه وقد يتكلف ذلك ويتصنعه فالأول لا ذم عليه ولا إثم ولا عقوبة ؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك والثاني مذموم جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه ، وهو داخل في الحديث الآخر لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال .

                                                            وقد كان هذا المخنث من القسم الأول ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته وأقره على الدخول على النساء بناء على أنه لا يعرف شيئا من أحوالهن ولا يميز بين الحسنة منهن والقبيحة ؛ لأن الغالب على من كان ذلك فيه خلقة أنه كذلك فلما ظهر له منه خلاف ذلك منعه الدخول عليهن .

                                                            (الثالثة) : اختلف في اسمه فقال القاضي عياض [ ص: 115 ] الأشهر أنه ( هيت ) : بكسر الهاء وإسكان الياء المثناة من تحت وآخره تاء مثناة من فوق ، وقيل صوابه ( هنب ) : بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال إن ما سواه تصحيف قال والهنب الأحمق وقيل (تابع) : بالتاء المثناة من فوق مولى أبي فاختة المخزومية .



                                                            (الرابعة) : قد بين في الحديث سبب دخوله على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، وهو أنهم كانوا يعتقدونه من غير أولي الإربة أي الحاجة إلى النساء وأنه لا ينظر في أوصافهن ولا يميز بين الحسنة والقبيحة منهن ولا شهوة له أصلا ومثل هذا لا يجب الاحتجاب منه بنص الكتاب العزيز فلما فهم من كلامه هذا أنه على خلاف ذلك حجب ومنع من الدخول عليهن كغيره من الرجال ففيه أن التخنث ولو كان أصليا لا يقتضي الدخول على النساء وأنه كان المقتضي لدخوله اعتقاد كونه من غير أولي الإربة لا كونه مخنثا .

                                                            (الخامسة) : قولها ، وهو عند بعض نسائه .

                                                            قد تبين برواية الصحيحين أنها أم سلمة رضي الله عنها وقولها ، وهو ينعت بالنون والتاء المثناة من فوق أي يصف وهذه المرأة المنعوتة قد تبين بالرواية المذكورة أنها بنت غيلان واسمها ( بادية ) : بالباء الموحدة وكسر الدال المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وقيل بالنون حكاه ابن عبد البر وقال الصواب بالباء ، وهو قول أكثرهم .

                                                            (السادسة) : قوله إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان : .

                                                            قال أبو عبيد وسائر العلماء معناه أقبلت بأربع عكن وأدبرت بثمان عكن ، والعكن بضم العين المهملة وفتح الكاف جمع عكنة بضم العين وإسكان الكاف ويجمع أيضا على أعكان قالوا ومعناه أن لها أربع عكن تقبل بهن من كل ناحية ثنتان ولكل واحدة طرفان فإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية قالوا ، وإنما أنث فقال ثمان وكان الأصل أن يقول (بثمانية) : فإن المراد الأطراف وهي مذكرة ؛ لأنه لم يذكر لفظه ومتى حذف المعدود جاز حذف التاء ولم يلزم إثباتها كقوله عليه الصلاة والسلام من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال هذا كلام المازري وتبعه النووي وغيره وقال أبو العباس القرطبي أنث العدد لتأنيث المعدود ، وهو العكن جمع عكنة .

                                                            (السابعة) : روى هذا الحديث الواقدي [ ص: 116 ] والكلبي وفيه أن هذا المخنث ( هيت ) : وكان مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي أخي أم سلمة لأبيها وفيه بعد قوله بثمان مع ثغر كالأقحوان إن جلست تثنت ، وإن تكلمت تغنت بين رجليها كالإناء المكفو ، وهي كما قال قيس بن الخطيم

                                                            تعـــترف الطـــرف وهـــي لاهيـــة كأنمــــا شــــف وجههــــا شـــرف بيــــن شـــكول النســـاء خلقتهـــا
                                                            قصـــــدا فلا عبلــــة ولا نصــــف تنــــام عــــن كـــبر شـــأنها فـــإذا
                                                            قــــامت رويـــدا تكـــاد تنقصـــف

                                                            فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلظت النظر إليها يا عدو الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى قال فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له في قول الكلبي ، ولم يزل ( هيت ) : بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر كلم فيه فأبى أن يرده فلما ولي عمر كلم فيه فأبى أن يرده ثم كلم فيه بعد وقيل إنه قد كبر وضعف وضاع فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه .



                                                            (الثامنة) : قوله لا يدخلن عليكم هذا : كذا رويناه بلفظ الغيبة ونون التوكيد الشديدة ويكون قوله هذا : فاعلا وكان يجوز أن يكون بلفظ الخطاب لهن ويكون قوله هذا مفعولا ويدل للرواية قوله في حديث أم سلمة لا يدخل هؤلاء عليكم ، وهو إشارة إلى جميع المخنثين لما رأى من وصفهم النساء ومعرفتهم ما يعرفه الرجال منهن فكان هذا سببا لورود هذا الأمر ثم إنه عمم الحكم في كل من وصفه كوصفه والله أعلم .

                                                            (التاسعة) : تقدم في الفائدة السابعة زيادة على منعه من الدخول على النساء وهي نفيه إلى الحمى وفي حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام غرب هيتا : وماتعا : إلى الحمى ، ذكره الواقدي وذكر أبو منصور البارودي نحو الحكاية عن مخنث كان بالمدينة يقال له أنة : وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى حمراء الأسد حكاه القاضي عياض والنووي وقالا والمحفوظ أنه ( هيت ) : قال النووي تبعا للقاضي عياض قال العلماء وإخراجه ونفيه كان لثلاثة معان :

                                                            (أحدها) : المعنى المذكور في الحديث أنه كان يظن أنه من غير أولي الإربة وكان منهم ويتكتم ذلك (والثاني) : وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهي أن تصف المرأة لزوجها فكيف إذا وصفها الرجل للرجال [ ص: 117 ] و (الثالث) أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء فكيف الرجال لا سيما على ما جاء في غير الصحيح أنه وصفها حتى وصف ما بين رجليها أي فرجها وما حواليها والله أعلم .

                                                            (العاشرة) فيه جواز العقوبة بالنفي عن الوطن لمن يخاف منه الفساد والفسق وعلى تحريم ذكر محاسن المرأة بعينها ؛ لأن فيه إطلاع الناس على عورتها وتحريك النفوس إلى ما لا يحل منها وأما ذكر محاسن من لا تعرف من النساء فهو جائز إن لم يدع إلى مفسدة من تهييج النفوس على الوقوع في محرم والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية