الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  484 155 - حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا أبو ضمرة ، قال : حدثنا موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن عبد الله كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل ، وجعل الباب قبل ظهره ، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى ، يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه ، قال : وليس على أحدنا بأس أن صلى في أي نواحي البيت شاء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الاستلزام ، وهو أن الموضع المذكور من كونه مقابلا للباب قريبا من الجدار يستلزم كون صلاته بين الساريتين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ، الأول : إبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني . الثاني : أبو ضمرة ، بفتح الضاد المعجمة ، وسكون الميم ، وبالراء ، اسمه أنس بن عياض ، مر في باب التبرز في البيوت . الثالث : موسى بن عقبة بن أبي عياش المديني ، مات سنة إحدى وأربعين ومائة . الرابع : نافع مولى ابن عمر . الخامس : عبد الله بن عمر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( قبل وجهه ) بكسر القاف ، وفتح الباء الموحدة ، أي : مقابل وجهه ، وكذلك الكلام في قبل ظهره ، وفي قبل وجهه الذي بعده . قوله : ( قريبا ) كذا وقع بالنصب ، ويروى بالرفع ، وهو الأصل ؛ لأنه اسم يكون ، ووجه النصب أن يكون اسمه محذوفا ، والتقدير : يكون القدر ، أو المكان قريبا من ثلاثة أذرع ، ولفظة ثلاثة بالتأنيث في رواية الأكثرين ، وفي رواية أبي ذر : من ثلاث أذرع بلا تاء ، ( ( فإن قلت ) ) : الذراع مذكر فما وجه ترك التأنيث ؟ ( قلت ) : أجاب بعضهم أن الذراع يذكر ويؤنث ، وليس كذلك على الإطلاق ، بل الذراع الذي يذرع به يذكر ، وذراع اليد يذكر ويؤنث ، وهاهنا شبهه بذراع اليد . قوله : ( صلى ) جملة استئنافية . قوله : ( يتوخى ) ، أي : يتحرى ، يقال : توخيت مرضاتك ، أي : تحريت [ ص: 286 ] وقصدت . قوله : ( قال ) أي : ابن عمر . قوله : ( إن صلى ) بكسر الهمزة ، وصلى بلفظ الماضي ، وفي رواية الكشميهني : ( أن يصلي ) بفتح الهمزة ، ولفظ المضارع ، والتقدير : ولا بأس بأن يصلي ، وحذف حرف آخر سائغ .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : فيه جواز الصلاة في نفس البيت ، وفيه الدنو من السترة ، وقد أمر الشارع بالدنو منها لئلا يتخلل الشيطان ذلك ، وفيه أن السترة بين المصلي والقبلة ثلاثة أذرع ، وادعى ابن بطال أن الذي واظب عليه الشارع في مقدر ذلك ممر الشاة كما جاء في الآثار ، وفيه أنه لا يشترط في صحة الصلاة في البيت موافقة المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه ابن عمر ، ولكن الموافقة أولى ، وإن كان يحصل الغرض بغيره ، وقد ذكرنا أن الحديث لا يدل صريحا على الصلاة بين الساريتين ، وإنما دلالته على ذلك بطريق الاستلزام ، وقد بيناه ، وقد اختلف السلف في الصلاة بين السواري ، فكرهه أنس بن مالك لورود النهي بذلك ، رواه الحاكم وصححه ، وقال ابن مسعود : ( لا تصفوا بين الأساطين وأتموا الصفوف ) وأجازه الحسن ، وابن سيرين ، وكان سعيد بن جبير ، وإبراهيم التيمي ، وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين ، وهو قول الكوفيين ، وقال مالك في ( المدونة ) لا بأس بالصلاة بينهما لضيق المسجد ، وقال ابن حبيب : ليس النهي عن تقطيع الصفوف ، إذا ضاق المسجد ، وإنما نهى عنه إذا كان المسجد واسعا ، قال القرطبي : وسبب الكراهة بين الأساطين أنه روي أنه مصلى الجن المؤمنين .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية