الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) شرط جواز النية فهو أن تكون النية مقارنة لفعل التكفير ، فإن لم تقارن الفعل رأسا ، أو لم تقارن فعل التكفير بأن تأخرت عنه لم يجز ; لأن اشتراط النية لتعيين المحتمل وإيقاعه على بعض الوجوه ، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت مقارنة للفعل ، ولأن النية هي الإرادة ، والإرادة مقارنة للفعل كالقدرة الحقيقية لأن بها يصير الفعل اختياريا ، وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى أباه أو ابنه ينوي به العتق عن كفارة يمينه أو ظهاره أو إفطاره أو قتله أجزأه عندنا استحسانا .

                                                                                                                                والقياس أن لا يجزيه ، وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله بناء على أن شراء القريب إعتاق عندنا ، فإذا اشتراه ناويا عن الكفارة فقد قارنت النية الإعتاق فجاز ، وعندهما العتق يثبت بالقرابة والشراء شرط فلم تكن النية مقارنة لفعل الإعتاق فلا يجوز ( وجه ) القياس أن الشراء ليس بإعتاق حقيقة ولا مجازا ، أما الحقيقة فلا شك في انتفائها لأن واضع اللغة ما وضع الشراء للإعتاق ، ( وأما ) المجاز فلأن المجاز يستدعي المشابهة في المعنى اللازم المشهور في محل الحقيقة ولا مشابهة ههنا أصلا ، لأن الشراء تملك والإعتاق إزالة الملك ، وبينهما مضادة .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روى أبو داود في سننه بإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لن يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } سماه معتقا عقيب الشراء ولا فعل منه بعد الشراء ، فعلم أن الشراء وقع إعتاقا منه عقلنا وجه ذلك أو لم نعقل ، فإذا نوى عند الشراء الكفارة فقد اقترنت النية بفعل الإعتاق فجاز ، وقولهما " الشراء ليس بإعتاق حقيقة " ممنوع بل هو إعتاق حقيقة لكن حقيقة شرعية لا وضعية ، والحقائق أنواع : وضعية وشرعية وعرفية على ما عرف في أصول الفقه ، وكذلك إذا وهب له أو أوصى له به فقبله لأنه يعتق بالقبول فقارنت النية فعل الإعتاق ، وإن ورثه ناويا عن الكفارة لم يجز لأن العتق ثبت من غير صنعه رأسا فلم يوجد قران النية الفعل فلا يجوز .

                                                                                                                                وعلى هذا يخرج ما إذا قال لعبد الغير : إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه ناويا عن الكفارة لم يجز لأن العتق عند الشراء يثبت بالكلام السابق ولم تقارنه النية ، حتى لو قال : إن اشتريت فلانا فهو حر عن كفارة يميني أو ظهاري أو غير ذلك يجزيه لقران النية كلام الإعتاق ولو قال : إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري ، ثم قال بعد ذلك : ما اشتريته فهو حر عن كفارة قتلي ، ثم اشتراه فهو حر عن الظهار ; لأنه لما قال إن اشتريته فهو حر عن كفارة قتلي فقد أراد فسخ الأول ، واليمين لا تحتمل الفسخ ، وكذلك لو قال : إن اشتريته فهو حر تطوعا ، ثم قال : إن اشتريته فهو حر عن ظهاري ، ثم اشتراه كان تطوعا لأنه بالأول علق عتقه تطوعا بالشراء ، ثم أراد بالثاني فسخ الأول ، واليمين لا يلحقها الفسخ والله - عز شأنه - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية