الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أنه تعالى لما بين أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا ، بين أن هذا الحكم عام في الكل ، وأنه لا يحصل لأحد فضيلة ولا منقبة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ، وذلك ; لأن الإنسان له قوتان : القوة النظرية ، والقوة العملية ، أما كمال القوة النظرية فليس إلا بأن يعرف الحق ، وأما كمال القوة العملية فليس إلا بأن يعمل الخير ، وأعظم المعارف شرفا معرفة أشرف الموجودات وهو الله سبحانه وتعالى ، وكمال معرفته إنما يحصل بكونه قادرا على الحشر والنشر ، فلا جرم كان أفضل المعارف هو الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأفضل الخيرات في الأعمال أمران : المواظبة على الأعمال المشعرة بتعظيم المعبود ، والسعي في إيصال النفع إلى الخلق كما قال عليه الصلاة والسلام : التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله ثم بين تعالى أن كل من أتى بهذا الإيمان وبهذا العمل فإنه يرد القيامة من غير خوف ولا حزن ، والفائدة في ذكرهما أن الخوف يتعلق بالمستقبل ، والحزن بالماضي ، فقال : ( لا خوف عليهم ) بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة : ( ولا هم يحزنون ) بسبب ما فاتهم من طيبات الدنيا ; لأنهم وجدوا أمورا أعظم وأشرف وأطيب مما كانت لهم حاصلة في الدنيا ، ومن كان كذلك فإنه لا يحزن بسبب طيبات الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 46 ] فإن قيل : كيف يمكن خلو المكلف الذي لا يكون معصوما عن أهوال القيامة ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى شرط ذلك بالعمل الصالح ، ولا يكون آتيا بالعمل الصالح إلا إذا كان تاركا لجميع المعاصي .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه إن حصل خوف فذلك عارض قليل لا يعتد به .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : إنه تعالى شرط عدم الخوف وعدم الحزن بالإيمان والعمل الصالح ، والمشروط بشيء عدم عند عدم الشرط ، فلزم أن من لم يأت مع الإيمان بالعمل الصالح فإنه يحصل له الخوف والحزن ، وذلك يمنع من العفو عن صاحب الكبيرة .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن صاحب الكبيرة لا يقطع بأن الله يعفو عنه لا محالة ، فكان الخوف والحزن حاصلا قبل إظهار العفو .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : أنه تعالى قال في أول الآية : ( إن الذين آمنوا ) ثم قال في آخر الآية : ( من آمن بالله ) وفي هذا التكرير فائدتان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأولى : أن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون ، فالفائدة في هذا التكرير إخراجهم عن وعد عدم الخوف وعدم الحزن .

                                                                                                                                                                                                                                            الفائدة الثانية : أنه تعالى أطلق لفظ الإيمان ، والإيمان يدخل تحته أقسام ، وأشرفها الإيمان بالله واليوم الآخر ، فكانت الفائدة في الإعادة التنبيه على أن هذين القسمين أشرف أقسام الإيمان ، وقد ذكرنا وجوها كثيرة في قوله : ( ذلك بأن الذين كفروا ) وكلها صالحة لهذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : الراجع إلى اسم ( إن ) محذوف ، والتقدير : من آمن منهم ، إلا أنه حسن الحذف لكونه معلوما ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية