الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويثبت النسب ) احتياطا بلا دعوة ( وتعتبر مدته ) وهي ستة أشهر ( من الوطء ، فإن كانت منه إلى الوضع أقل مدة الحمل ) يعني ستة أشهر فأكثر ( يثبت ) النسب ( وإلا ) بأن ولدته لأقل من ستة أشهر ( لا ) يثبت ، وهذا قول محمد وبه يفتى ، وقالا : ابتداء المدة من وقت العقد كالصحيح ورجحه في النهر بأنه أحوط وذكر من التصرفات الفاسدة إحدى وعشرين ، ونظم منها العشرة التي في الخلاصة فقال : وفاسد من العقود عشر إجارة وحكم هذا الأجر     وجوب أدنى مثل أو مسمى
أو كله مع فقدك المسمى [ ص: 135 ]     والواجب الأكثر في الكتابة
من الذي سماه أو من قيمة     وفي النكاح المثل إن يكن دخل
وخارج البذر لمالك أجل     والصلح والرهن لكل نقضه
أمانة أو كالصحيح حكمه     ثم الهبة مضمونة يوم قبض
وصح بيعه لعبد اقترض     مضاربة وحكمها الأمانة
والمثل في البيع وإلا القيمة

التالي السابق


( قوله ويثبت النسب ) أما الإرث فلا يثبت فيه وكذا النكاح الموقوف ط عن أبي السعود ( قوله احتياطا ) أي في إثباته لإحياء الولد ط ( قوله وتعتبر مدته ) أي ابتداء مدته التي يثبت فيها ( قوله وهي ستة أشهر ) أي فأكثر ( قوله من الوطء ) أي إذا لم تقع الفرقة كما يأتي بيانه ( قوله يعني ستة أشهر فأكثر ) أشار إلى أن التقدير بأقل مدة الحمل إنما هو للاحتراز عما دونه لا عما زاد لأنها لو ولدته لأكثر من سنتين من وقت العقد أو الدخول ولم يفارقها فإنه يثبت نسبه اتفاقا بحر ( قوله وقال إلخ ) تظهر فائدة الخلاف فيما إذا أتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ولأقل منها من وقت الدخول فإنه لا يثبت نسبه على المفتى به بحر :

[ تنبيه ] ذكر في الفتح أنه يعتبر ابتداء المدة من وقت التفريق إذا وقعت فرقة وإلا فمن وقت النكاح والدخول على الخلاف .

واعتراضه في البحر بأنه يقتضي أنها لو أتت بعد التفريق لأكثر من ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول ولأقل منها من وقت التفريق أنه لا يثبت نسبه مع أنه يثبت .

وأجاب في النهر بأن اعتبار ابتداء المدة من وقت النكاح أو الدخول معناه نفي الأقل كما مر ، واعتبارها من وقت التفريق معناه نفي الأكثر ، حتى لو جاءت به لأكثر من سنتين من وقت التفريق لا يثبت النسب ا هـ ومثله في شرح المقدسي .

والحاصل أنه قبل التفريق يثبت النسب ولو ولدته بعد العقد أو الدخول لأكثر من سنتين كما مر ، أما بعد التفريق فلا يثبت إلا إذا كان أقل من سنتين من حين التفريق بشرط أن لا يكون بين الولادة والعقد أو الدخول أقل من ستة أشهر ( قوله ورجحه في النهر ) ترجيحه لا يعارض قول صاحب الهداية وغيره إن الفتوى على قول محمد . [ ص: 135 ]

مطلب التصرفات الفاسدة

( قوله وذكر من التصرفات الفاسدة ) أي التي تفسد إذا فقد منها شرط من شروط الصحة ( قوله وحكم هذا ) أي حكم الإجارة الفاسدة بشرط فاسد كمرمة دار أو بجهالة المسمى أو بعدم التسمية أو بتسمية نحو خمر والأجر خبر حكم والمراد به أجر المثل ، أو المسمى في الصورة الأولى وأجر المثل بالغا ما بلغ في الثلاثة الأخيرة ، وقد فصل ذلك بقوله وجوب أدنى مثل إلخ فأدنى إما مضاف والإضافة بيانية أو غير مضاف ومثل بدل منه كما لا يخفى ح ( قوله والواجب الأكثر إلخ ) يعني أن الكتابة الفاسدة كما إذا كانت كتابة على عين معينة لغيره يجب على المكاتب الأكثر من قيمته والمسمى وتاء الكتابة والقيمة مجروران ولا يوقف عليهما بالهاء لئلا تختلف القافية ح ( قوله وفي النكاح ) أي الفاسد بعدم الشهود مثلا مهر المثل أي بالغا ما بلغ إن لم يسم ما يصلح مهرا ، وإلا فالأقل من مهر المثل أو المسمى ح ( قوله إن يكن دخل ) أما إذا لم يدخل لا يجب شيء ح ( قوله وخارج البذر ) يعني أن المزارعة الفاسدة كما إذا شرط فيها قفزان معينة لأحدهما يكون الخارج فيها لصاحب البذر . ثم إن كانت الأرض له فعليه مثل أجر العامل وإذا كان البذر من العامل فعليه أجر مثل الأرض ح ( قوله أجل ) تكملة بمعنى نعم ح ( قوله والصلح والرهن ) أي الصلح الفاسد بنحو جهالة البدل المصالح عليه والرهن الفاسد كرهن المشاع لكل من المتعاقدين نقضه ح ( قوله أمانة ) خبر مبتدإ محذوف عائد على كل من بدل الصلح والمرهون اللذين دل عليهما الصلح والرهن أي حينئذ يكون ما في يد المصالح أمانة ، وكذلك عليه في يد من هو في يده ، وكذلك الرهن في يد المرتهن لأن كلا قبض مال صاحبه بإذنه ، لكنه قبضه لنفسه لا لمالكه فينبغي أن كالصحيح حكمه ; وحكم الصحيح في الصلح أنه مضمون عليه ببدل الصلح ، وصحيح الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين ، وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد رحمتي .

قلت : وسيأتي في كتاب الرهن التوفيق بأن فاسد الرهن كصحيحه إذا كان سابقا على الدين وإلا فلا ، ويأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى ( قوله ثم الهبه ) بسكون الهاء للضرورة يعني أن الموهوب مضمون على الموهوب له بالقيمة يوم القبض في الهبة الفاسدة كهبة مشاع يقسم ح لأنه قبضه لنفسه ، ومن قبض لنفسه ولو بإذن مالكه كان قبضه قبض ضمان رحمتي ( قوله وصح بيعه ) أي بيع المستقرض ، واللام لتعدية البيع ، وقوله اقترض نعت لعبد ، وفاعله مستتر عائد على المستقرض ، ومفعوله محذوف عائد على العبد ، يعني إذا استقرض عبدا كان قرضا فاسدا لأنه قيمي يفيد الملك فيصح بيعه ح . وقال ط : اللام في العبد زائدة ( قوله مضاربه ) بسكون الهاء للضرورة يعني أن المضاربة الفاسدة بنحو اشتراط عمل رب المال حكمها الأمانة : أي يكون مال المضاربة في يد المضارب أمانة ح أي لأنه قبضها لمالكها بإذنه ، وما كان كذلك فهو أمانة ولأنه لما فسدت صار المضارب أجيرا والمال في يد الأجير أمانة رحمتي ( قوله والمثل في البيع ) أي الواجب في البيع الفاسد بنحو شرط لا يقتضيه العقد ضمان مثل [ ص: 136 ] المقبوض الهالك إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا وتاء الأمانة والقيمة مرفوعان ولا يوقف عليهما بالسكون لما مر ح .

وأما بقية الإحدى والعشرين فقال في النهر : وبقي من التصرفات الفاسدة : الصدقة والخلع والشركة والسلم والكفاية والوكالة والوقف والإقالة والصرف والوصية والقسمة .

أما الصدقة ففي جامع الفصولين أنها كالهبة الفاسدة مضمونة بالقبض وأما الخلع ، فحكمه أنه إذا بطل العوض فيه وقع بائنا ، وذلك كالخلع على خمر أو خنزير أو ميتة . وأما الشركة وهي المفقود منها شرطها ، مثل أن يجعل الربح فيها على قدر المال كما في المجمع ، ولا ضمان عليه لو هلك المال في يده كما في جامع الفصولين . وأما السلم ، وهو ما فقد فيه شرط من شرائط الصحة فحكم رأس المال فيه كالمغصوب ، فيصح فيه أن يأخذ به ما بدا له يدا بيد كذا في الفصول . وأما الكفالة كما إذا جهل المكفول عنه مثلا كقوله ما بايعت أحدا فعلي ، فحكمها عدم الوجوب عليه ورجع بما أداه حيث كان الضمان فاسدا كذا في الفصول أيضا . وأما الوكالة والوقف والإقالة والصرف والوصية فالظاهر أنهم لم يفرقوا بين فاسدها وباطلها ، وصرحوا بأن الإقالة كالنكاح لا يبطلها الشرط الفاسد ، وقد عرف أنه لا فرق بين فاسده وباطله ، وقالوا : لو وقعت الإقالة بعد القبض بعدما ولدت الجارية فهي باطلة . ا هـ .

أقول : وما عزاه إلى المجمع في قوله وأما الشركة إلخ فغير موجود فيه ولم تر أحدا قاله ، بل تجوز الشركة مع التساوي في الربح وعدمه فالصواب أن يمثل بالتي شرط فيها دراهم مسماة لأحدهما فإنه مفسد لها ، وحكم الفاسدة أن يجعل الربح فيها على قدر المال وإن شرط التفاضل وهذا هو الذي في المجمع وغره فافهم ، وذكر القسمة ولم يتعرض لحكمها ، وسيذكر المصنف والشارح في بابها أن المقبوض بالقسمة الفاسدة كقسمة على شرط هبة أو صدقة أو بيع من المقسوم أو غيره يثبت الملك فيه ويفيد جواز التصرف فيه لقابضه ويضمنه بالقيمة كالمقبوض بالشراء الفاسد . وقيل لا يثبت ، وجزم بالقيل في الأشباه ، وبالأول في البزازية والقنية . ا هـ . وما ذكره في النكاح من عدم الفرق بين فاسده وباطله وقد علمت ما فيه .

هذا ، وقد زاد الرحمتي الحوالة ونظم حكمها مع حكم ما زاد على العشرة تكميلا لنظم النهر على الترتيب المذكور فقال : صدقة كهبة سواء والخلع بائن ولا جزاء إن شرط الخمر أو الخنزير أو
الميتة بدله كذا رأوا بقدر مال ربح شركة فسد
كأن لقطع شركة الربح قصد ولا ضمان بهلاك المال
في يده حزت ذرا المعالي وسلم بعض شروطه فقد
ففاسد كما من الفقه شهد ورأس مال فيه كالمغصوب عد
فخذ به ما شئت إن يدا بيد كفالة المجهول مفسد لها
فارجع بما أديت إن خبء دهى إذا بنى الدفع على الكفاله
ولا رجوع إن يرد وفا له وفاسد القيمة إن شرط نما
لا يقتضيه العقد يا هذا الكمى فيملك المقسوم بالقيمة إن
يقبض وقيل لا فقد فاز الفطن وكالة وصاية والوقف
إقالة يا صاح ثم الصرف لا فرق فيها بين ما قد فسدا
وبين باطل هديت الرشدا حوالة بشرط أن يؤدي
من بيع دار للمحيل يردي فإن يؤدي المال فهو راجع
على المحيل أو محال خاشع

وقوله فخذ به ما شئت إلخ أي له أن يستبدل برأس مال السلم الفاسد بخلاف الصحيح ، لكن بشرط أن يكون يدا بيد لئلا ينفصل عن دين بدين ، وقوله إذا بنى الدفع على الكفالة إلخ أي لو ظن لزومها له فأداه عما كفله وقال هذا ما كفلت لك به رجع عليه لأنه أداه ما ليس بلازم عليه على زعم لزومه كما لو قضاه دينه ثم تبين أن لا دين عليه ، وأما إذا قال خذ هذا وفاء عما لك في ذمته فلا يرجع عليه لأن من قضى دين غيره بلا أمره لا رجوع له على أحد




الخدمات العلمية