الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1181 [ ص: 68 ] ( 5 ) باب ما لا يبين من التمليك

                                                                                                                        1132 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين ; أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت [ ص: 69 ] أبي أمية . فزوجوه . ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن ، وقالوا : ما زوجنا إلا عائشة . فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن . فذكرت ذلك له . فجعل أمر قريبة بيدها . فاختارت زوجها . فلم يكن ذلك طلاقا .

                                                                                                                        1133 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ; أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن ، المنذر بن الزبير . وعبد الرحمن غائب بالشام . فلما قدم عبد الرحمن قال : ومثلي يصنع هذا به ؟ ومثلي يفتات عليه ؟ فكلمت عائشة المنذر بن الزبير . فقال المنذر : فإن ذلك بيد عبد الرحمن . فقال عبد الرحمن : ما كنت لأرد أمرا قضيتيه . فقرت حفصة عند المنذر . ولم يكن ذلك طلاقا .

                                                                                                                        1134 - مالك ; أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة ، سئلا عن الرجل ، يملك امرأته أمرها ، فترد ذلك إليه ، ولا تقضي فيه شيئا ، فقالا : ليس ذلك بطلاق .

                                                                                                                        1135 - مالك ; عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أنه قال : إذا ملك الرجل امرأته أمرها . فلم تفارقه . وقرت عنده . فليس ذلك [ ص: 70 ] بطلاق .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        25308 - قال أبو عمر : روي مثل قول سعيد عن ابن عمر ، وابن مسعود ، ورواية عن علي : أنها إذا اختارت زوجها ، فلا طلاق لها ، ولا شيء .

                                                                                                                        25309 - وعلى هذا جماعة العلماء ، وجمهورهم من المملكة أنها إذا لم تقض شيئا لم يوجب تمليكها شيئا إذا رضيت البقاء مع زوجها .

                                                                                                                        25310 - واختلف الصحابة ، والتابعون - رضي الله عنهم - في المخيرة اختلافا متباينا ، دل على أنهم غابت عنهم السنة في ذلك ، وذلك تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه .

                                                                                                                        25311 - قالت عائشة : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم يكن ذلك طلاقا .

                                                                                                                        25312 - ومعلوم أنه إنما خيرهن بين الصبر معه على الفقر وبين فراقه ، بدليل [ ص: 71 ] ما في الحديث من قوله لعائشة : إني أعرض عليك أمرا ، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، قالت : ما هو ؟ فتلا عليها الآية ، فقالت : أوفيك أستأمر أبوي ؟ بلى ، أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك ألا تذكر ذلك لامرأة من نسائك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لم أبعث معنتا ، وإنما بعثت معلما ميسرا ، فلا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها .

                                                                                                                        رواه أبو الزبير ، عن جابر ، عن عائشة .

                                                                                                                        25313 - ورواه عروة ، عن عائشة .

                                                                                                                        25314 - وهذا يدل على فساد قول الحسن : إنهن إنما خيرن بين الدنيا ، والآخرة ، لا بين فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم والكون معه ، والقضاء بصحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار من الحجاز والعراق أن المملكة ، والمخيرة إذا اختارت زوجها لم [ ص: 72 ] يقع عليها طلاق .

                                                                                                                        25315 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثني عمرو بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن في ذلك طلاق .

                                                                                                                        25316 - ورواه الثوري عن الأعمش ، وعاصم عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة مثله ، وإبراهيم عن الأسود ، عن عائشة مثله .

                                                                                                                        25317 - قال أبو عمر : قوله في حديث هذا الباب : أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير ليس على ظاهره ، ولم يرد بقوله : زوجت حفصة - والله أعلم - إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ، ونحو ذلك دون العقد بدليل الحديث المأثور عنها ، أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة ، والصداق ، والرضا ، قالت : أنكحوا ، واعقدوا ، فإن النساء لا يعقدن .

                                                                                                                        25318 - وروى ابن جريج ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها أنكحت امرأة من بني أخيها رجلا من بني أختها ، فضربت بينهم [ ص: 73 ] بستر ، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا ، فأنكح ، ثم قالت : ليس إلى النساء النكاح .

                                                                                                                        25319 - قال أبو عمر : قد احتج الكوفيون بحديث مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح .

                                                                                                                        25320 - ولا حجة فيه ; لما ذكرنا من حديث ابن جريج ; ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي - عليه السلام - : لا نكاح إلا بولي .

                                                                                                                        25321 - والولي المطلق يقتضي العصبة ، لا النساء ، وقد مضى هذا المعنى في كتاب النكاح ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية