الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 291 ) مسألة : قال : ( وإذا أسلم الكافر ) وجملته أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل ، سواء كان أصليا ، أو مرتدا ، اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل ، وجد منه في زمن كفره ما يوجب الغسل أو لم يوجد . وهذا مذهب مالك وأبي ثور وابن المنذر ، وقال أبو بكر : يستحب الغسل ، وليس بواجب ، إلا أن يكون قد وجدت منه جنابة زمن كفره ، فعليه الغسل إذا أسلم سواء كان قد اغتسل في زمن كفره أو لم يغتسل . وهذا مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            ولم يوجب عليه أبو حنيفة الغسل بحال ; لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا ، فلو أمر كل من أسلم بالغسل ، لنقل نقلا متواترا أو ظاهرا ; ولأن { النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } . ولو كان الغسل واجبا لأمرهم به ; لأنه أول واجبات الإسلام .

                                                                                                                                            [ ص: 133 ] ولنا : ما روى { قيس بن عاصم ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر } رواه أبو داود ، والنسائي وأمره يقتضي الوجوب ، وما ذكروه من قلة النقل ، فلا يصح ممن أوجب الغسل على من أسلم بعد الجنابة في شركه ، فإن الظاهر أن البالغ لا يسلم منها ، ثم إن الخبر إذا صح كان حجة من غير اعتبار شرط آخر ، على أنه قد روي ، أن سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، حين أرادا الإسلام ، سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة : كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ؟ قالا : نغتسل ، ونشهد شهادة الحق .

                                                                                                                                            وهذا يدل على أنه كان مستفيضا ; ولأن الكافر لا يسلم غالبا من جنابة تلحقه ، ونجاسة تصيبه ، وهو لا يغتسل ، ولا يرتفع حدثه إذا اغتسل ، فأقيمت مظنة ذلك مقام حقيقته ، كما أقيم النوم مقام الحدث ، والتقاء الختانين مقام الإنزال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية