الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب كتابة العلم

                                                                                                                                                                                                        111 حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قلت لعلي بن أبي طالب هل عندكم كتاب قال لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال قلت فما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب كتابة العلم ) طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال . وهذه الترجمة من ذلك ; لأن السلف اختلفوا في ذلك عملا وتركا ، وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم ، بل على استحبابه ، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا ابن سلام ) كذا للأصيلي ، واسمه محمد ، وقد صرح به أبو داود وغيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سفيان ) هو الثوري ; لأن وكيعا مشهور بالرواية عنه ، وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف . يقال : إنه ابن عيينة . قلت : لو كان ابن عيينة لنسبه لأن القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا ، وهكذا نقول هنا لأن وكيعا قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن مطرف ) هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء ابن طريف بطاء مهملة أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن الشعبي ) وللمصنف في الديات سمعت الشعبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي جحيفة ) هو وهب السوائي ، وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته ، وللمصنف في الديات : سمعت أبا جحيفة . والإسناد كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة ، وهو من رواية صحابي عن صحابي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قلت لعلي ) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هل عندكم ) الخطاب لعلي ، والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كتاب ) أي : مكتوب أخذتموه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أوحي إليه ، ويدل على ذلك [ ص: 247 ] رواية المصنف في الجهاد : " هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله " وله في الديات " هل عندكم شيء مما ليس في القرآن " وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف : " هل علمت شيئا من الوحي " وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت - لا سيما عليا - أشياء من الوحي خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بها لم يطلع غيرهم عليها . وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضا قيس بن عباد - وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة - والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لا ) زاد المصنف في الجهاد " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا كتاب الله ) هو بالرفع ، وقال ابن المنير : فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله ، وهي المراد بقوله : أو فهم أعطيه رجل " لأنه ذكر بالرفع ، فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبا . كذا قال ، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع ، والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب . وقد رواه المصنف في الديات بلفظ : " ما عندنا إلا ما في القرآن ، إلا فهما يعطى رجل من الكتاب " فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع ، معناه لكن إن أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار . وقد روى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب قال : شهدت عليا على المنبر وهو يقول : " والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة " وهو يؤيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الصحيفة ) أي : الورقة المكتوبة . وللنسائي من طريق الأشتر " فأخرج كتابا من قراب سيفه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( العقل ) أي : الدية ، وإنما سميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل . ووقع في رواية ابن ماجه بدل العقل " الديات " والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وفكاك ) بكسر الفاء وفتحها . وقال الفراء الفتح أفصح ، والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا يقتل ) بضم اللام ، وللكشميهني : " وأن لا يقتل " بفتح اللام ، وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر ، وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال : " ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة . فإذا فيها : المدينة حرم . . . " الحديث . ولمسلم عن أبي الطفيل عن علي : " ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما في قراب سيفي هذا . وأخرج صحيفة مكتوبة فيها : لعن الله من ذبح لغير الله . . . " الحديث . وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي : " فإذا فيها : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم . . " الحديث . ولأحمد من طريق طارق بن شهاب : " فيها فرائض الصدقة " والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبا فيها ، فنقل كل واحد من الرواية عنه ما حفظه والله أعلم . وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي ، وبين أيضا السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال : قد فعلناه . فيقول : صدق الله ورسوله . فقال [ ص: 248 ] له الأشتر : هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون الناس ؟ فذكره بطوله .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية