الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ومن منع البيت واحدا أو الكل بالبلد أو الطريق ظلما وفي الإرشاد والمبهج والفصول : في غير عمرة ; لأنها لا تفوت ولو خاف في ذهابه ورجوعه ، وفيه في الخلاف منع وتسليم ، قال في الانتصار : وأمكنه التخلص إلى جهة قبل الوقوف أو بعده ، نص عليه ، وذكر الشيخ : بل قبل تحلله الأول ، ولم يجد طريقا آمنة ولو بعدت ، وفات الحج فله التحلل بأن ينحر هديا بنية التحلل به وجوبا مكانه ، كالحلق يجوز له فقط في الحل ، قاله في الانتصار ، وذكر غيره : يجوز له ولغيره في الحل ، وعنه : ينحره في الحرم ، وعنه : مفرد وقارن يوم النحر ، وفي الكافي : وكذا من معه هدي ، ويحل .

                                                                                                          والمحصر يلزمه هدي واحد ، وذكر القاضي وغيره : إن تحلل بعد فواته فهديان لتحلله وفواته .

                                                                                                          ومن حصر عن واجب لم يتحلل ، بل عليه دم له ، وقال القاضي : يتوجه فيمن حصر بعد تحلله الثاني يتحلل وأومئ إليه ، والتحلل مباح لحاجته في الدفع إلى قتال أو بذل مال ، فإن كان يسيرا والعدو مسلما ففي وجوب البذل وجهان ( م 3 ) ومع كفر العدو يستحب قتاله إن قوي المسلمون ، . [ ص: 537 ] وإلا فتركه أولى .

                                                                                                          وإن عدم الهدي صام عشرة بالنية ، كمبدله ، ثم حل ، نقله الجماعة ، ولا إطعام فيه ، وعنه : بلى .

                                                                                                          وقال الآجري : إن عدم الهدي مكانه قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحل ، وأحب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر ، فإن صعب عليه حل ثم صام ، وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان ، قيل : مبني على أنه نسك أو لا وقيل لا يجب هنا ( م 3 ) لعدم . [ ص: 538 ] ذكره في الآية ; ولأنه مباح ليس بنسك خارج الحرم ; لأنه من توابع الإحرام كرمي وطواف ، ولو نوى التحلل قبل هدي وصوم لم يحل ، ولزمه دم لتحلله ، وذكر الشيخ : لا ، ولا يلزمه قضاء نفل ، نقله الجماعة .

                                                                                                          ونقل أبو الحارث وأبو طالب : بلى ( و هـ ) ومثله من جن أو أغمي عليه ، قاله في الانتصار ، وخرج منها في الواضح مثله في منذورة وذكر بعض أصحابنا في كتابه الهدي : لا يلزم المحصر هدي ولا قضاء لعدم أمر الشارع بهما ، كذا قال ، واستحسن ابن هبيرة : ولا فرض بعد إحرامه ( و م ر ) وإن منع في حج عن عرفة تحلل بعمرة مجانا ، وعنه : كمن منع البيت ، وعنه : كحصر مرض ، وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرما حتى يقدر على البيت ، فإن فاته الحج تحلل بعمرة ، نقله الجماعة ، ولا ينحر هديا معه إلا بالحرم ، نص على التفرقة ، وفي لزوم القضاء والهدي الخلاف ، وأوجب الآجري القضاء هنا ، . [ ص: 539 ] وعنه : يتحلل كمحصر بعد .

                                                                                                          واختاره شيخنا ، وأن مثله حائض تعذر مقامها وحرم طوافها ، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة ، أو لعجزها عنه ولو لذهاب الرفقة ، وكذا من ضل الطريق ، ذكره في المستوعب ، وفي التعليق : لا يتحلل ، واحتج شيخنا لاختياره بأن الله لم يوجب على المحصر أن يبقى محرما حولا بغير اختياره ، بخلاف بعيد أحرم من بلده ولا يصل إلا في عام ، بدليل تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا عن إتمام العمرة مع إمكان رجوعهم محرمين إلى العام القابل ، واتفقوا أن من فاته الحج لا يبقى محرما إلى العام القابل .

                                                                                                          ويقضي عبد كحر ، وفيه في رقه الوجهان ، وصغير كبالغ .

                                                                                                          ويقضي من حل في حجة فاسدة في سنته إن أمكنه ، قال جماعة : ولا يتصور في غيرها ، وقيل للقاضي : لو جاز طوافه في النصف الأخير لصح أداء حجتين في عام ، ولا يجوز ( ع ) ; لأنه يرمي ويطوف ويسعى فيه ثم يحرم بحجة أخرى ويقف بعرفة قبل الفجر ويمضي فيها ، ويلزمكم أن تقولوا به ; لأنه إذا تحلل من إحرامه فلا معنى لمنعه منه ، فقال القاضي : لا يجوز ، وقد نقل أبو طالب فيمن لبى بحجتين لا يكون إهلالا بشيئين ; لأن الرمي عمل واجب بالإحرام السابق ، فلا يجوز مع بقائه أن يحرم بغيره ، وقيل : يجوز في مسألة المحصر هذه . .

                                                                                                          [ ص: 536 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 536 ] ( مسألة 2 ) قوله : والتحلل مباح لحاجته في الدفع إلى قتال أو بذل مال ، فإن كان يسيرا والعدو مسلما ففي وجوب البذل وجهان ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) يجب بذله ، وهو الصحيح ، قال الشيخ الموفق والشارح : قياس [ ص: 537 ] المذهب وجوب بذله ، كالزيادة في ثمن الماء للوضوء ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : بل هنا أولى .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا يجب بذل خفارة بحال ، وله التحلل ، كما في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقا آمنا من غير خفارة ، نقله الشيخ والشارح عن بعض الأصحاب ، قال في الرعاية : ومن حصره عدو مسلم أو كافر عن البيت واحتاج في دفعه إلى قتال أو بذل مال كثير وقلنا : لا يجب لدفع عن نفسه أو يسير وقلنا : لا يجب دفعه ، في الأصح ، ولا طريق له إلى البيت ترك قتاله مع جوازه ، انتهى . فصحح أنه لا يجب دفعه .

                                                                                                          ( مسألة 3 ) قوله : وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان ، قيل : مبني على أنه نسك أو لا ، وقيل : لا يجب هنا ، انتهى .

                                                                                                          اختلف الأصحاب في الحلق والتقصير للمحصر ، فقيل : فيه روايتان مبنيتان على أنه هل هو نسك أو إطلاق من محظور ؟ وهذه الطريقة جزم بها في الكافي ، وقدم في الرعاية الكبرى الوجوب ، واختاره القاضي في التعليق وغيره .

                                                                                                          وقال الشيخ في المغني والشارح : وهل يلزمه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي أو الصيام ؟ فيه روايتان ، ولعل هذا ينبني على الخلاف في الحلق ، هل هو نسك أو إطلاق من محظور ؟ انتهى . فعلى هذه الطريقة يجب عليه الحلق أو التقصير ، على الصحيح ; لأن الصحيح من المذهب أنه نسك ، فكذا يكون هنا ، وقيل : لا يجب هنا حلق ولا تقصير ، وإن قلنا بوجوبه في حق غير [ ص: 538 ] المحصر ، لعدم ذكره في الآية ; ولأنه مباح ليس بنسك خارج الحرم ، وهذه الطريقة الثانية . وقد قدم في المحرر عدم الوجوب ، وكذا ابن رزين ، وهو ظاهر كلام الخرقي .

                                                                                                          ( تنبيه ) : في قوله : " وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان ، قيل : مبني على أنه نسك أو لا ، وقيل : لا يجب هنا " إيهام ; لأنه أثبت أولا الروايتين ثم نفاهما في القول الثاني ، وكان الأحسن أن يقول : قيل في حلق أو تقصير روايتان مبنيتان على كونه نسكا أم لا ، وقيل : لا يجب هنا . وعلى ما قاله يوهم أن فيه روايتين من غير بناء ، ولم يقله أحد . والله أعلم .

                                                                                                          فهذه ثلاث مسائل قد صححت ولله الحمد .




                                                                                                          الخدمات العلمية