الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإذا جاءت الطامة الكبرى والطامة: الحادثة التي تطم على ما سواها، أي: تعلو فوقه . وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: النفخة الثانية التي فيها البعث .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 24 ] والثاني: أنها حين يقال لأهل النار; قوموا إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها حين يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يتذكر الإنسان ما سعى أي: ما عمل من خير وشر وبرزت الجحيم لمن يرى أي: لأبصار الناظرين . قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق . وقرأ أبو مجلز، وابن السميفع " لمن ترى " بالتاء . وقرأ ابن عباس، ومعاذ القاريء " لمن رأى " بهمزة بين الراء والألف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فأما من طغى في كفره وآثر الحياة الدنيا على الآخرة فإن الجحيم هي المأوى قال الزجاج: أي هي المأوى له . وهذا جواب " فإذا جاءت الطامة " فإن الأمر كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأما من خاف مقام ربه قد ذكرناه في سورة [الرحمن: 46] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ونهى النفس عن الهوى أي: عما تهوى من المحارم . قال مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب، فيتركها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قد سبق في [الأعراف: 187] فيم أنت من ذكراها أي: لست في شيء من علمها وذكرها . والمعنى: أنك لا تعلمها إلى ربك منتهاها أي: منتهى علمها إنما أنت منذر من يخشاها وقرأ أبو جعفر " منذر " بالتنوين . ومعنى الكلام: إنما أنت مخوف من يخافها . والمعنى: إنما ينفع إنذارك من يخافها، وهو المؤمن بها . وأما من لا يخافها فكأنه لم ينذر كأنهم يعني: كفار قريش يوم يرونها أي: يعاينون القيامة لم يلبثوا في الدنيا . وقيل: في قبورهم إلا عشية أو ضحاها أي: قدر آخر النهار من بعد العصر، أو أوله إلى أن ترتفع [ ص: 25 ] الشمس . قال الزجاج: والهاء والألف في " ضحاها " عائدان إلى العشية .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: إلا عشية، أو ضحى العشية . قال الفراء:

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: للعشية ضحى، إنما الضحى لصدر النهار؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب: أن هذا ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: آتيك العشية، أو غداتها، أو آتيك الغداة، أو عشيتها، فتكون العشية في معنى " آخر " ، والغداة في معنى " أول " . أنشدني بعض بني عقيل:


                                                                                                                                                                                                                                      نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: عشية الهلال، أو عشية سرار العشية، فهذا أشد من قولهم: آتيك الغداة أو عشيتها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية