الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 175 ] أبو يوسف يعقوب بن صابر الحراني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم البغدادي المنجنيقي ، كان فاضلا في فنه ، وشاعرا مطبقا ، لطيف الشعر ، حسن المعاني ، قد أورد له ابن الساعي قطعة صالحة ، ومن أحسن ما أورد له قصيدة فيها تعزية عظيمة لجميع الناس ، وهي قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هل لمن يرتجي البقاء خلود وسوى الله كل شيء يبيد     والذي كان من تراب وإن عا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ش طويلا للتراب يعود     فمصير الأنام طرا إلى ما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صار فيه آباؤهم والجدود     أين حواء أين آدم إذ فا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تهم الخلد والثوى والخلود     أين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هابيل أين قابيل إذ ه ذا لهذا معاند وحسود     أين نوح ومن نجا معه بال
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلك والعالمون طرا فقيد     أسلمته الأيام كالطفل للمو
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ت ولم يغن عمره الممدود     أين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عاد بل أين جنة عاد أم ترى أين صالح وثمود     أين إبراهيم الذي شاد بيت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الله فهو المعظم المقصود     حسدوا يوسفا أخاهم فكادو
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ه ومات الحسود والمحسود     وسليمان في النبوة والمل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ك قضى مثل ما قضى داود     فغدوا بعد ما أطيع لذا الخل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ق وهذا له ألين الحديد     وابن عمران بعد آياته التس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ع وشق الخضم فهو صعيد [ ص: 176 ]     والمسيح ابن مريم وهو روح الله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كادت تقضي عليه اليهود     وقضى سيد النبيين والها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دي إلى الحق أحمد المحمود     وبنوه وآله الطاهرون الز
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هر صلى عليهم المعبود     ونجوم السماء منتثرات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بعد حين وللهواء ركود     ولنار الدنيا التي توقد الصخ
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ر خمود وللمياه جمود     وكذا للثرى غداة يؤم الن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اس منها تزلزل وهمود     هذه الأمهات نار وترب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهواء رطب وماء برود     سوف يفنى كما فنينا فلا يب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قى من الخلق والد ووليد     لا الشقي الغوي من نوب الأي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ام ينجو ولا السعيد الرشيد     ومتى سلت المنايا سيوفا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فالموالي حصيدها والعبيد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الملك المسعود أقسيس بن الكامل ، صاحب اليمن ، وقد ملك مكة من سنة تسع عشرة ، فأحسن بها المعدلة ، ونفى الزيدية منها ، وأمنت الطرقات والحجاج ، ولكنه كان مسرفا على نفسه ، فيه عسف وظلم أيضا . وكانت وفاته بمكة ، ودفن بباب المعلى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد السبتي النجار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يعده بعضهم من الأبدال ، قال أبو شامة : [ ص: 177 ] وهو الذي بنى المسجد غربي دار الوكالة عن يسار المار في الشارع ، من ماله ، ودفن بالجبل . وكانت جنازته مشهودة - رحمه الله تعالى - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العبادي الشاعر ، أبو الحسن علي بن سالم بن يزبك بن محمد بن مقلد ، العبادي الشاعر ، من الحديثة ، قدم بغداد مرارا ، وامتدح المستنصر وغيره ، وكان فاضلا كثير التغزل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفتوح نصر بن علي البغدادي ، الفقيه الشافعي ، ويلقب بثعلب ، اشتغل في المذهب والخلاف ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جسمي معي غير أن الروح عندكم     فالجسم في غربة والروح في وطن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فليعجب الناس مني أن لي بدنا     لا روح فيه ولي روح بلا بدن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفضل جبريل بن منصور ، بن هبة الله بن جبريل بن الحسن بن غالب بن يحيى بن موسى بن يحيى بن الحسن بن غالب بن الحسن بن عمرو بن الحسن بن النعمان بن المنذر ، المعروف بابن زطينا البغدادي ، كاتب الديوان بها ، أسلم ، وكان نصرانيا ، فحسن إسلامه ، وكان من أفصح الناس وأبلغهم موعظة ، فمن ذلك قوله : خير أوقاتك ساعة صفت لله ، وخلصت من الفكرة لغيره والرجاء لسواه ، وما دمت في خدمة السلطان ، فلا تغتر بالزمان ، اكفف كفك ، واصرف طرفك ، وأكثر صومك ، وأقلل نومك ، [ ص: 178 ] واشكر ربك ، يحمد أمرك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : زاد المسافر مقدم على رحيله ، فأعد الزاد تبلغ المراد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : إلى متى تتمادى في الغفلة؟ كأنك قد أمنت عواقب المهلة ، عمر اللهو مضى ، وعمر الشبيبة انقضى ، وما حصلت من ربك على ثقة بالرضا ، وقد انتهى بك الأمر إلى سن التخاذل ، وزمن التكاسل ، وما حظيت بطائل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : روحك تخضع ، وعينك لا تدمع ، وقلبك لا يخشع ، ونفسك لا تشبع ، وتظلم نفسك وأنت لها تتوجع ، وتظهر الزهد في الدنيا وفي المال تطمع ، وتطلب ما ليس لك بحق وما وجب عليك من الحق لا تدفع ، وتروم فضل ربك وللماعون تمنع ، وتعيب نفسك الأمارة وهي عن اللهو لا ترجع ، وتوقظ الغافلين بإنذارك وتتناوم عن سهمك وتهجع ، وتخص غيرك بخيرك ونفسك الفقيرة لا تنفع ، وتحوم على الحق وأنت بالباطل مولع ، وتتعثر في المضايق وطريق النجاة مهيع ، وتتهجم على الذنوب وفي المجرمين تشفع ، وتركن إلى دار السلامة وأنت بالعطب مروع ، وتحرص على زيادة الاكتساب وحسابك في كفل غيرك يوضع ، وتظهر القناعة بالقليل وبالكثير لا تشبع ، وتعمر الدار الفانية ودارك الباقية خراب بلقع ، وتستوطن في منزل رحيل كأنك إلى ربك لا ترجع ، وتظن أنك بلا رقيب وأعمالك إلى المراقب ترفع ، وتقدم على الكبائر وعن الصغائر تتورع ، وتؤمل الغفران وأنت عن الذنوب لا تقلع ، وترى [ ص: 179 ] الأهوال محيطة بك وأنت في ميدان اللهو ترتع ، وتستقبح أفعال الجهال وباب الجهل تقرع ، وقد آن لك أن تأنف من التعسف ، وعن الدنايا تترفع ، وقد سار المخفون وتخلفت فماذا تتوقع؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أورد ابن الساعي له شعرا حسنا فمنه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن سهرت عينك في طاعة     فذاك خير لك من نوم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمسك قد فات بعلاته     فاستدرك الفائت في اليوم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن ربا هداك بعد ضلال     سبل الرشد مستحق للعباده
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتعبد له تجد منه عتقا     واستدم فضله بطول الزهاده

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا تعففت عن حرام     عوضت بالطيب الحلال
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاقنع تجد في الحرام حلا     فضلا من الله ذي الجلال



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية