الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 198 ] ( أو ) بماء ( استعمل ل ) أجل ( قربة ) أي ثواب ولو مع رفع حدث أو من مميز أو حائض لعادة أو عبادة أو غسل ميت أو يد لأكل أو منه بنية السنة ( أو ) لأجل ( رفع حدث ) ولو مع قربة كوضوء محدث [ ص: 199 ] ولو للتبرد ، فلو توضأ متوضئ لتبرد أو تعليم أو لطين بيده لم يصر مستعملا اتفاقا كزيادة على الثلاث بلا نية قربة ، وكغسل نحو فخذ أو ثوب طاهر أو دابة تؤكل ( أو ) لأجل ( إسقاط فرض ) هو الأصل في الاستعمال كما نبه [ ص: 200 ] عليه الكمال ، بأن يغسل بعض أعضائه أو يدخل يده أو رجله في جب لغير اغتراف ونحوه فإنه يصير مستعملا لسقوط الفرض اتفاقا وإن لم يزل حدث عضوه أو جنابته ما لم يتم لعدم تجزيهما زوالا وثبوتا على المعتمد

قلت : وينبغي أن يزاد أو سنة ليعم المضمضة والاستنشاق ، فتأمل ( إذا انفصل عن عضو وإن لم يستقر ) في شيء على المذهب ، وقيل إذا استقر ، ورجح للحرج . ورد بأن ما يصيب منديل المتوضئ وثيابه عفو اتفاقا وإن كثر ( وهو طاهر ) [ ص: 201 ] ولو من جنب وهو الظاهر ، لكن يكره شربه والعجن به تنزيها للاستقذار ، وعلى رواية نجاسته تحريما ( و ) حكمه أنه ( ليس بطهور ) لحدث بل لخبث على الراجح المعتمد .

[ ص: 198 ]

التالي السابق


[ ص: 198 ] مبحث الماء المستعمل .

( قوله : أو بماء استعمل إلخ ) اعلم أن الكلام في الماء المستعمل يقع في أربعة مواضع : الأول في سببه ، وقد أشار إليه بقوله لقربة أو رفع حدث . الثاني في وقت ثبوته ، وقد أشار إليه بقوله إذا استقر في مكان . الثالث في صفته : وقد بينها بقوله طاهر . الرابع في حكمه ، وقد بينه بقوله لا مطهر ا هـ بحر . مطلب في تفسير القربة والثواب .

( قوله : أي ثواب ) قدمنا في سنن الوضوء أن القربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية كالوقف والعتق . في البحر عن شرح النقاية أنها ما تعلق به حكم شرعي وهو استحقاق الثواب ا هـ . وفي شرح الأشباه للبيري قال علماؤنا : ثواب العملي في الأخرى عبارة عما أوجبه الله للعبد جزاء لعمله ، فتفسير الشارح القربة بالثواب من تفسير الشيء بحكمه ، وهو شائع في كلامهم كما مر ، وهو المتبادر من تعبير المصنف فاللام التعليل : أي لأجل نيل قربة ، نعم لو قال المصنف في قربة لتعين تفسيرها بالفعل فافهم .

( قوله : ولو مع رفع حدث ) يشير به وبقوله الآتي ولو مع قربة إلى أن أو في قوله أو رفع حدث مانعة الخلو لا مانعة الجمع ; لأن القربة ورفع الحدث قد يجتمعان ، وقد ينفرد كل منهما عن الآخر كما سيظهر ، فبينهما عموم وخصوص وجهي .

( قوله : أو من مميز ) أي إذا توضأ يريد به التطهير كما في الخانية وهو معلوم من سياق الكلام ، وظاهره أنه لو لم يرد به ذلك لم يصر مستعملا تأمل .

( قوله : أو حائض إلخ ) قال في النهر : قالوا بوضوء الحائض يصير مستعملا ; لأنه يستحب لها الوضوء لكل فريضة وأن تجلس في مصلاها قدرها كي لا تنسى عادتها ، ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بالفريضة ، وينبغي أنها لو توضأت لتهجد عادي أو صلاة ضحى وجلست في مصلاها أن يصير مستعملا ، ولم أره لهم ا هـ وأقره الرملي وغيره ، ووجهه ظاهر فلذا جزم به الشارح ، فأطلق العبادة تبعا لجامع الفتاوى فإنه ، قال : يستحب لها أن تتوضأ في وقت الصلاة وتجلس في مسجدها تسبح وتهلل مقدار أدائها لئلا تزول عادة العبادة .

( قوله : أو غسل ميت ) معطوف على رفع حدث ، وكون غسالته مستعملة هو الأصح ، وإنما أطلق محمد نجاستها ; لأنها لا تخلو عن النجاسة غالبا بحر . أقول : قد يقال إنه مبني على ما هو قول العامة واعتمده في البدائع من أن نجاسة الميت نجاسة خبث ; لأنه حيوان دموي لا نجاسة حدث ، وعليه فلا حاجة إلى تأويل كلام محمد وسنوضحه في أول فصل البئر ، ويجوز عطفه على مميز أي ولو من أجل غسل ميت ; لأنه يندب الوضوء من غسل الميت كما مر .

( قوله : بنية السنة ) قيد به في البحر أخذا من قول المحيط ; لأنه أقام به قربة لأنه سنة . ا هـ . قال في النهر : وعليه فينبغي اشتراطه في كل سنة كغسل الفم والأنف ونحوهما ، وفي ذلك تردد . ا هـ . قال الرملي : ولا تردد فيه ، حتى لو لم يكن جنبا وقصد بغسل الفم والأنف ونحوهما مجرد التنظيف لا إقامة القربة لا يصير مستعملا .

( قوله : أو لأجل رفع حدث ) مفاد اللام أنه قصد رفع الحدث فيكون قربة أيضا مع أن المراد ما هو أعم كما أفاده الشارح بقوله ولو مع قربة ، فكان الأولى أن يقول أو في رفع حدث تأمل .

( قوله : كوضوء محدث ) فإنه إن كان منويا اجتمع فيه الأمران ، وإلا كما لو كان [ ص: 199 ] للتبرد فرفع الحدث فقط .

( قوله : ولو للتبرد ) قيل فيه خلاف محمد بناء على أنه لا يستعمل عنده إلا بإقامة القربة أخذا من قوله فيما لو انغمس في البئر لطلب الدلو بأن الماء طهور . قال السرخسي : والصحيح عنده استعماله بإزالة الحدث إلا للضرورة كمسألة البئر ، وتمامه في البحر .

( قوله : فلو توضأ متوضئ إلخ ) محترز قول المصنف لأجل قربة أو رفع حدث ، لكن أورد أن تعليم الوضوء قربة فينبغي أن يصير الماء مستعملا . وأجاب في البحر وتبعه في النهر وغيره بأن التوضؤ نفسه ليس قربة بل تعليم وهو أمر خارج عنه ولذا يحصل بالقول .

( قوله : أو لطين ) أي ونحوه كوسخ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة ، وكذا لو وصلت شعر آدمي بذؤابتها فغسلته لم يصر مستعملا ; لأنه لم يبق له حكم البدن ، بخلاف ما لو غسل رأس مقتول قد بان منه وتمامه في البحر . [ فائدة ]

قال سيدي عبد الغني : الظاهر أن المحدث تكفيه غسلة واحدة عن الطين ونحوه وعن الحدث بخلاف النجاسة كما قدمناه .

( قوله : بلا نية قربة ) بأن أراد الزيادة على الوضوء الأول ، وفيه اختلاف المشايخ . أما لو أراد بها ابتداء الوضوء صار مستعملا بدائع : أي إذا كان بعد الفراغ من الوضوء الأول وإلا كان بدعة كما مر في محله ، فلا يصير الماء مستعملا ، وهذا أيضا إذا اختلف المجلس وإلا فلا ; لأنه مكروه بحر ، لكن قدمنا أن المكروه تكراره في مجلس مرارا .

( قوله : نحو فخذ ) أي مما ليس من أعضاء الوضوء وهو محدث لا جنب ، وقيل يصير مستعملا بناء على القول بحلول الحدث الأصغر بكل البدن وغسل الأعضاء رافع عن الكل تخفيفا والراجح خلافه أفاده في النهر ، وأفاد سيدي عبد الغني أن الظاهر أن المراد بأعضاء الوضوء ما يشمل المسنونة مع نية فعل السنة تأمل .

( قوله : أو ثوب طاهر ) أي ونحوه من الجامدات كالقدور والقصاع والثمار قهستاني .

( قوله : أو دابة تؤكل ) كذا في البحر عن المبتغى . قال سيدي عبد الغني : وتقييده بالمأكولة فيه نظر ; لأن غيرها كذلك لا تنجس الماء ولا تسلب طهوريته كالحمار والفأرة وسباع البهائم التي لم يصل الماء إلى فمها ا هـ وذكر الرحمتي نحوه .

( قوله : أو لأجل إسقاط فرض ) فيه ما في قوله أو لأجل رفع حدث ، وهذا سبب ثالث للاستعمال زاده في الفتح أخذا من مسألة الجب المذكورة ، ومن تعليلها المنقول عن الإمام بسقوط الفرض ; لأنه ليس بقربة لعدم النية ولا رفع حدث لعدم تجزيه كما يأتي .

( قوله : هو الأصل في الاستعمال ) أي هو الأصل الذي بني عليه الحكم بتدنس الماء . قال في الفتح : لأن المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقام بها القربة تتدنس كمال الزكاة تدنس بإسقاط الفرض حتى جعل من الأوساخ ، ثم قال بعده : والذي نعقله أن كلا من التقرب والإسقاط مؤثر في التغير ، ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع وأثر التغير حتى حرمت على النبي صلى الله عليه وسلم فعرفنا أن كلا أثر تغيرا شرعيا . ا هـ . أقول : ومقتضاه أن القربة أصل أيضا ، بخلاف رفع الحدث ; لأنه لا يتحقق إلا في ضمن القربة أو إسقاط الفرض أو في ضمنهما فكان فرعا ، وبهذا ظهر أنه يستغنى بهما عنه ، فيكون المؤثر في الاستعمال الأصلين فقط [ ص: 200 ] فيقال : هو ما استعمل في قربة سواء كان معها رفع حدث أو إسقاط فرض ، أو لا ولا ، أو في إسقاط فرض سواء كان معه قربة أو رفع حدث ، أو لا ولا ، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه .

( قوله : بأن يغسل ) أي المحدث أو الجنب بعض أعضائه : أي التي يجب غسلها احترازا عن غسل المحدث نحو الفخذ كما مر . ثم الظاهر أنه أراد الغسل بنية رفع الحدث ليغاير قوله أو يدخل يده إلخ . قال في البزازية : وإن أدخل الكف للغسل فسد تأمل ، ثم في الخلاصة وغيرها إن كان إصبعا أو أكثر دون الكف لا يضر . قال في الفتح : ولا يخلو من حاجته إلى تأمل وجهه .

( قوله : في حب ) بالمهملة : الجرة ، أو الضخمة منها قاموس .

( قوله : لغير اغتراف ) بل للتبرد أو غسل يده من طين أو عجين ، فلو قصد الاغتراف ونحوه كاستخراج كوز لم يصر مستعملا للضرورة .

( قوله : فإن يصر مستعملا ) المراد أن ما اتصل بالعضو وانفصل عنه مستعمل على ما مر ويأتي .

( قوله : لسقوط الفرض ) أي فلا يلزمه إعادة غسل ذلك العضو عند غسل بقية الأعضاء ، وهذا التعليل منقول عن الإمام كما مر ، فلا يقال إن العلة زوال الحدث زوالا موقوفا كذا في البحر ، على أن الأصل التعليل بما هو الأصل ، وقد علمت أن زوال الحدث فرع .

( قوله : وإن لم يزل إلخ ) كان الأولى إسقاط إن وزيادة أنه لم توجد نية القربة كما فعل في البحر ، ليكون بيانا لوجه زيادة هذا السبب الثالث ، وأنه لا يغني عنه ما قبله من السببين كما قدمناه ، وما في النهر من أنه إنما تتم زيادته بتقدير أن إسقاط الفرض لا ثواب فيه وإلا كان قربة اعترضه ط بأن إسقاط الفرض لا يتوقف على النية ولا ثواب بدونها ، فكيف يمكن أن يكون قربة .

( قوله : جنابته ) أي جنابة العضو المغسول في صورة الحدث الأكبر .

( قوله : ما لم يتم ) أي ما لم يغسل بقية الأعضاء .

( قوله : على المعتمد ) قال الشيخ قاسم في حواشي المجمع : الحدث يقال بمعنيين : بمعنى المانعية الشرعية عما لا يحل بدون الطهارة ، وهذا لا يتجزأ بلا خلاف عند أبي حنيفة وصاحبيه ، وبمعنى النجاسة الحكمية ، وهذا يتجزأ ثبوتا وارتفاعا بلا خلاف أيضا وصيرورة الماء مستعملا بإزالة الثانية . ا هـ . أقول : والظاهر أنه أراد يتجزأ الثاني ثبوتا كما في الحدث الأصغر بالنسبة للأكبر فإنه يحل بعض أعضاء البدن ، وفي عدم تجزؤ الأول بلا خلاف نظر لما قدمه الشارح من الخلاف في جواز القراءة ومس المصحف بعد غسل الفم واليد تأمل .

( قوله : وينبغي أن يزاد أو سنة ) فيه أن السنة لا تقام إلا بنيتها فيدخل في قوله لأجل قربة ، وإن قصد بغسل نحو الفم والأنف مجرد التنظيف لم يصر مستعملا كما مر عن الرملي فلم توجد السنة ، ثم رأيته في حاشية ح ، ثم قال : وكأنه إلى هذا أشار بقوله فتأمل .

( قوله : وقيل إذا استقر ) أي بشرط أن يستقر في مكان من أرض أو كف أو ثوب ويسكن عن التحرك ، وحذفه ; لأنه أراد بالاستقرار التام منه وهذا قول طائفة من مشايخ بلخ واختاره فخر الإسلام وغيره . وفي الخلاصة وغيرها أنه المختار إلا أن العامة على الأول وهو الأصح ، وأثر الخلاف يظهر فيما لو انفصل فسقط على إنسان فأجراه عليه صح على الثاني لا الأول نهر . قلت : وقد مر أن أعضاء الغسل كعضو واحد ، فلو انفصل منه فسقط على عضو آخر من أعضاء المغتسل فأجراه عليه صح على القولين .

( قوله : ورجح للحرج ) لأنه لو قيل باستعماله بالانفصال فقط لتنجس ثوب المتوضئ على القول بنجاسة الماء المستعمل ، وفيه حرج عظيم كما في غاية البيان .

( قوله : عفو اتفاقا ) أي لا مؤاخذة فيه حتى عند القائل بالنجاسة للضرورة كما في البدائع وغيرها .

( قوله : وهو طاهر إلخ ) رواه محمد عن الإمام وهذه الرواية [ ص: 201 ] هي المشهورة عنه ، واختارها المحققون ، قالوا عليها الفتوى ، لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث . واستثنى الجنب في التجنيس إلا أن الإطلاق أولى وعنه التخفيف والتغليظ ، ومشايخ العراق نفوا الخلاف وقالوا إنه طاهر عند الكل . وقد قال المجتبى : صحت الرواية عن الكل أنه طاهر غير طهور ، فالاشتغال بتوجيه التغليظ والتخفيف مما لا جدوى له نهر ، وقد أطال في البحر في توجيه هذه الروايات ، ورجح القول بالنجاسة من جهة الدليل لقوته .

( قوله : وهو الظاهر ) كذا في الذخيرة أي ظاهر الرواية ، وممن صرح بأن رواية الطهارة ظاهر الرواية وعليها الفتوى في الكافي والمصفى كما في شرح الشيخ إسماعيل .

( قوله : لكن إلخ ) دفع لما قد يتوهم من عدم كراهة شربه على رواية الطهارة ، ومثل الشرب التوضؤ في المسجد من غير ما أعد له . وفي البحر عن الخانية : لو توضأ في إناء في المسجد جاز عندهم .

( قوله : وعلى ) متعلق بيكره محذوفا معطوف على يكره المذكور .

( قوله : تحريما ) قال في البحر : ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة ، أما على رواية النجاسة فحرام { ويحرم عليهم الخبائث } والنجس منها . ا هـ . وأجاب الشارح تبعا للنهر وأقره النهر بحمل الكراهة على التحريمية ; لأن المطلق منها ينصرف إليها قلت : ويؤيده أن نجاسة المستعمل على القول بها غير قطعية ; ولذا عبروا بالكراهة في لحم الحمار ونحوه . [ فرع ]

الماء إذا وقعت فيه نجاسة فإن تغير وصفه لم يجز الانتفاع به بحال كبل الطين وسقي الدواب بحر عن الخلاصة .

( قوله : ليس بطهور ) أي ليس بمطهر .

( قوله : على الراجح ) مرتبط بقوله بل لخبث : أي نجاسة حقيقية ، فإنه يجوز إزالتها بغير الماء المطلق من المائعات خلافا لمحمد




الخدمات العلمية