الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2729 ) فصل : وإذا نذر هديا وأطلق ، فأقل ما يجزئه شاة ، أو سبع بدنة أو بقرة ; لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود شرعا ، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم ، وأقله ما ذكرناه ، فحمل عليه ، ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة : { فما استيسر من الهدي } . حمل على ما قلنا . فإن اختار إخراج بدنة كاملة ، فهو أفضل ، وهل تكون كلها واجبة ؟ على وجهين ; أحدهما تكون واجبة . اختاره ابن عقيل ; لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه ، فكان كله واجبا ، كما لو اختار الأعلى من خصال كفارة اليمين أو كفارة الوطء في الحيض .

                                                                                                                                            والثاني ، يكون سبعها واجبا ، والباقي تطوعا ، له أكله وهديته ; لأن الزائد على السبع يجوز تركه من غير شرط ولا بدل ، فأشبه ما لو ذبح شاتين . فإن عين الهدي بشيء ، لزمه ما عينه ، وأجزأه ، سواء كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها ، وسواء كان حيوانا أو غيره ، مما ينقل أو مما لا ينقل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من راح يعني إلى الجمعة في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة } . فذكر الدجاجة والبيضة في الهدي . وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم ; لأنه سماه هديا ، وأطلق ، فيحمل على محل الهدي المشروع ، وقد قال الله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . فإن كان مما لا ينقل ، كالعقار ، باعه ، وبعث ثمنه إلى الحرم ، فيتصدق به فيه .

                                                                                                                                            ( 2730 ) فصل : وإن نذر هديا مطلقا أو معينا ، وأطلق مكانه ، وجب عليه إيصاله إلى مساكين الحرم . وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة .

                                                                                                                                            ولنا ، قوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . ولأن النذر يحمل على المعهود شرعا ، والمعهود في الهدي الواجب بالشرع ، كهدي المتعة والقران وأشباههما ، أن ذبحها يكون في الحرم ، كذا هاهنا .

                                                                                                                                            وإن عين نذره بموضع غير الحرم ، لزمه ذبحه به ، وتفرقة لحمه على مساكين الحرم وإطلاقه لما روي { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر ببوانة . قال : أبها صنم ؟ قال : لا . قال : أوف بنذرك } . رواه أبو داود . وإن نذر الذبح بموضع به صنم ، أو شيء من أمر الكفر أو المعاصي ، كبيوت النار ، أو الكنائس والبيع ، وأشباه ذلك ، لم يصح نذره ، بمفهوم هذا الحديث ، ولأنه نذر معصية ، فلا يوفى به ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا نذر في معصية الله تعالى ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } .

                                                                                                                                            وقوله : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . ( 2731 ) فصل : وقول الخرقي : " إن قدر على إيصاله إليهم " . يدل على أن العاجز عن إيصاله لا يلزمه إيصاله ، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها . فإن منع الناذر الوصول بنفسه ، وأمكنه تنفيذه ، لزمه . قال ابن عقيل [ ص: 293 ] إذا حصر عن الخروج خرج في ذبح هذا الهدي المنذور في موضع حصره روايتان ، كدماء الحج واختار أن الصحيح جواز ذبحه في موضع حصره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية . والثانية ، إن أمكن إرساله مع غيره ، فلا يجوز له ذبحه في موضعه ; لأنه أمكنه إيصال المنذور إلى محله ، فلزمه ، كغير المحصور .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية