الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال حميد وثابت عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الأمر شيء

                                                                                                                                                                                                        3842 حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون [ ص: 423 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 423 ] قوله : ( باب قوله : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) أي بيان سبب نزول هذه الآية ، وقد ذكر في الباب سببين ، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة ، وسأذكر في آخر الباب سببا آخر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال حميد وثابت عن أنس : شج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، فقال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنزلت : ليس لك من الأمر شيء ) أما حديث حميد فوصله أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به ، وقال ابن إسحاق في المغازي : حدثني حميد الطويل عن أنس قال : كسرت رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وشج وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه ، وجعل يمسح الدم وهو يقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل الله الآية وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وأدموا وجهه ؟ فأنزل الله عز وجل : ليس لك من الأمر شيء الآية وذكر ابن هشام في حديث أبي سعيد الخدري " أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - السفلى وجرح شفته السفلى ، وأن عبد الله بن قمئة شجه في جبهته وجرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وأن مالك بن سنان مص الدم من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ازدرده فقال : لن تمسك النار " .

                                                                                                                                                                                                        وروى ابن إسحاق من حديث سعد بن أبي وقاص قال : " فما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد " وفي الطبراني من حديث أبي أسامة قال : رمى عبد الله بن قمئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته فقال : خذها وأنا ابن قمئة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه - : ما لك أقمأك الله . فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة وأخرج ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن جابر فذكر نحوه منقطعا ، وسيأتي في أواخر هذه الغزوة شواهد لحديث أنس من حديث أبي هريرة وغيره . ووقع عند مسلم من طريق ابن عباس عن عمر في قصة بدر قال : فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه . فأنزل الله تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الآية ، والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرنا عبد الله ) هو ابن المبارك .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 424 ] قوله : ( العن فلانا وفلانا وفلانا ) سماهم في الرواية التي بعدها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعن حنظلة بن أبي سفيان ) هو معطوف على قوله : " أخبرنا معمر إلخ " والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك ، ووهم من زعم أنه معلق . وقوله : " سمعت سالم بن عبد الله يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلخ " وهو مرسل ، والثلاثة الذين سماهم قد أسلموا يوم الفتح ، ولعل هذا هو السر في نزول قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء ووقع في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث ابن عمر ، لكن فيه اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية قال : " ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت : ليس لك من الأمر شيء " . قلت : وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد ؛ لأن قصة رعل وذكوان كانت بعدها كما سيأتي تلو هذه الغزوة وفيه بعد ، والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد ، والله أعلم . ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية ليقطع طرفا من الذين كفروا أي يقتلهم أو يكبتهم أي يخزيهم ، ثم قال : أو يتوب عليهم أي فيسلموا أو يعذبهم أي إن ماتوا كفارا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية