الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وزوجة الصغير الحامل عند موته وضعه والحامل بعده الشهور ) أي : عدتها وضع الحمل إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت موته وعدتها الشهور إذا أتت به لستة أشهر فأكثر أي : عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر والحامل صفة زوجة وهو نعت مخصوص بالإناث كحائض ولهذا لم يؤنث ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وأوجب أبو يوسف عدة الوفاة في الحالين ; لأن الحمل ليس ثابت النسب منه فاستوى الموجود عند الموت والحادث بعده ولهما إطلاق قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ولأنها مقدرة بمدة وضع الحمل في أولات الأحمال قصرت المدة أو طالت لا للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن لقضاء حق النكاح .

                                                                                        وهذا المعنى يتحقق في حق الصبي وإن لم يكن الحمل منه بخلاف الحمل الحادث ; لأنه وجبت العدة بالشهور فلا يتغير بحدوث الحمل الحادث بعده وفيما نحن فيه كما وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا كذا في الهداية واختلفوا في الموجود والحادث فالصحيح في تفسيرهما ما قدمناه من أن الحادث أن تأتي به بعد موته لستة أشهر من يوم الموت وهو قول عامة المشايخ ، وقال بعضهم أن تضعه لأكثر من سنتين والأول أصح كذا في العناية معزيا إلى النهاية وأما تفسير قيامه عند الموت أن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الموت كذا في الفوائد الظهيرية .

                                                                                        ولم أر صريحا حكم دخول الصبي في النكاح الصحيح والفاسد في وجوب العدة وقد صرحوا بفساد خلوته وبوجوب العدة بالخلوة الفاسدة الشاملة لخلوة الصبي وإنما الكلام فيما إذا أولج فيها في مكان ليس بخلوة هل تجب به العدة لو بلغ وطلقها ثم رأيت في شرح النكاح الفاسد من هذا الكتاب أني نقلت وجوب العدة عليها إذا وطئها الصبي بنكاح فاسد ، وفي وجوب المهر عليه بالوطء تفصيل فليرجع إليه فعلم به أن دخوله في الصحيح موجب للعدة عليها بالأولى وخلوته كدخوله فيها فحاصله أن الزوج الصبي كالبالغ في الصحيح والفاسد وفي الوطء بشبهة في الوفاة والطلاق والتفريق ووضع الحمل كما لا يخفى فليحفظ .

                                                                                        ثم رأيت في القنية ما نصه " تجب العدة بدخول زوجها الصبي المراهق " وفي آحاد الجرجاني في قول أبي حنيفة وأبي يوسف إن المهر والعدة واجبان بوطء الصبي ، وفي قول محمد تجب العدة دون المهر ثم قال ولا خلاف بينهم ; لأنهما أجابا في مراهق يتصور منه الإعلاق ومحمد أجاب فيمن لا يتصور منه الإعلاق ; لأن ذكره في حكم إصبعه ، وفي نظم الزندوستي زنت العاقلة البالغة بصبي أو مجنون لا حد عليهما وعليها العدة ولا مهر لها ا هـ . ولهذا صور المسألة الحاكم الشهيد في الكافي فيما إذا كان رضيعا قال في الهداية : ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحمل بعد الموت ; لأن النسب يثبت منه فكان كالقائم عند الموت حكما ا هـ .

                                                                                        ومراده بقوله إذا حدث ظهوره بعد الموت فهو كالظاهر عنده تبعا لثبوت النسب منه ولذا قيدناه بأن تلده لأقل من سنتين أما إذا ولدته لسنتين فأكثر من موته كانت عدتها بالشهور للتيقن بحدوثه عند الموت حقيقة وحكما ; لأنه غير ثابت النسب وعند التأمل لا معنى للإيراد المجاب عنه بما ذكر أصلا كذا في فتح القدير ، وفي المجتبى حبلت المطلقة فعدتها بالوضع ، وكذا لو تزوجت في عدة الوفاة وحبلت وعنه خلافه بخلاف عدة الطلاق ، وفي الإيضاح حبلت في عدة الوفاة فعدتها بالشهور وإن حبلت [ ص: 155 ] معتدة عن ثلاث فعدتها بالوضع ا هـ .

                                                                                        وفي كافي الحاكم إن مات المجنون عن امرأته كان حكمه في العدة والولد حكم الرجل الصحيح ، وفي الخانية قبيل المهر زوج أمته من رضيع ثم جاءت بولد فادعاه المولى ثبت نسبه ; لأنه أقر بنسب من يملكه وليس له نسب معروف ، ولو كان الزوج مجبوبا لم يثبت النسب من المولى ; لأنه ثابت النسب من الزوج وعلى الزوج كل المهر لمكان الدخول حكما ا هـ .

                                                                                        والحق أن قول أبي يوسف موافق لقولهما وإنما هي رواية شاذة عنه موافقة للشافعي وهو رواية عن الإمام أيضا كما حققه في فتح القدير وفيه وعلى هذا الخلاف إذا طلق الكبير امرأته فأتت بولد غير سقط لأقل من ستة أشهر من وقت العقد بأن تزوجها حاملا من الزنا ولا يعلم الحال وإنما وضعت كذلك بعد الطلاق تعتد بالوضع عندهما خلافا له وإنما قلنا ولا يعلم ليصح كونه على هذا الخلاف ; لأنه لو علم لا يصح العقد عند أبي يوسف ; لأنه يمنع العقد على الحبلى من الزنا بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه وإن لم يصححه لكن يوجب من الوطء فيه العدة ; لأنه شبهة فيقع الخلاف في أنها بالوضع أو بالأشهر ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع وقال أبو يوسف ومحمد في زوجة الكبير تأتي بولد بعد موته لأكثر من سنتين وقد تزوجت بعد مضي أربعة أشهر وعشر إن النكاح جائز ; لأن إقدامها على النكاح إقرار منها بالانقضاء ولم يرد ما يبطل ذلك ( قوله والنسب منتف فيهما ) أي : في الموجود وقت الموت والحادث بعده ; لأن الصبي لا ماء له فلا يتصور منه العلوق ولا يرد ثبوت نسب ولد امرأة المشرقي من المغربية ; لأن النكاح إنما أقمناه مقام العلوق لتصوره حقيقة وهو غير متصور هنا حقيقة فافترقا وظاهر إطلاقهم دخول المراهق وينبغي أن يثبت النسب احتياطا إلا أن لا يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت العقد كما في فتح القدير ولهذا صور المسألة الحاكم الشهيد في الكافي بما إذا كان رضيعا .

                                                                                        ودل كلامهم في زوجة الصغير أن الحامل من الزنا إذا تزوجت ثم مات عنها زوجها فعدتها بوضع الحمل كما صرح به في المعراج معزيا إلى قاضي خان وقدمنا أن الحامل من الزنا لا عدة عليها عندهما ولذا صححا نكاحها لغير الزاني وإن حرما الوطء وإنما الكلام فيما إذا تزوجت على قول أبي حنيفة ومحمد وهي حامل من الزنا ثم طلقها أو مات عنها فإنها تعتد بوضع الحمل ، وفي كافي الحاكم الشهيد في عدة امرأة الصغير إذا مات وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل قال ; لأنه مات وهي حامل وإن كان من فجور والخصي كالصحيح في الولد والعدة وكذلك المجبوب إذا كان ينزل وإن لم ينزل لم يلزمه الولد فكان بمنزلة الصبي في الولد والعدة .

                                                                                        ( قوله ولم تعتد بحيض طلقت فيه ) للزوم النقص عن المقدر شرعا لو اعتد بها ، وهذا بالإجماع بخلاف الطهر الذي وقع فيه الطلاق فإنه محسوب عند مالك والشافعي وقد أورد عليهما لزوم النقصان عن الثلاثة فأورد علينا لزوم الزيادة عليها والخاص كما لا يحتمل النقصان لا يحتمل الزيادة وأجيب عنه بأنا لم نعتبر ذلك الزائد أصلا فلا زيادة على الخاص والحاصل لا اعتبار بالناقص لا ابتداء ولا انتهاء .

                                                                                        [ ص: 152 - 155 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 152 - 155 ] ( قوله والحق أن قول أبي يوسف إلخ ) راجع لمسألة المتن




                                                                                        الخدمات العلمية