الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وقدمنا أن ابتداء العدة في الطلاق المبهم من وقت البيان يعني لكونه إنشاء من وجه ، وفي الكافي للحاكم وغاية البيان إذا أتاها خبر موت زوجها وشكت في وقت الموت تعتد من الوقت الذي تستيقن فيه بموته ; لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط وذلك في العمل بيقين ا هـ .

                                                                                        وظاهر كلام محمد في المبسوط كالمختصر أن العدة تعتبر من وقت الطلاق في إقراره بالطلاق من زمان مضى إلا أن المتأخرين اختاروا وجوب العدة من وقت الإقرار حتى لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها ولكن لا نفقة لها ولا كسوة إن صدقته في الإسناد ; لأن قولها مقبول على نفسها ، وفي الهداية ومشايخنا يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة ا هـ .

                                                                                        وهو المختار كما في الفتاوى الصغرى ، وفي غاية البيان أراد بالمشايخ علماء بخارى وسمرقند لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدعة ا هـ .

                                                                                        وهو عجيب منه والحاصل أنها إن كذبته في الإسناد أو قالت لا أدري فمن وقت الإقرار وإن صدقته ففي حقها من وقت الطلاق ، وفي حق الله من وقت الإقرار ، وأما حكم وطئها في هذه المدة فقال في الاختيار لها أن تأخذ منه مهرا ثانيا ; لأنه أقر به وقد صدقته ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم قال كنت حلفت إن تزوجت ثيبا قط فهي طالق ثلاثا ولم أعلم أنها ثيب يقع الطلاق بإقراره ثم إن صدقته المرأة كان لها نصف المهر بالطلاق قبل الدخول ومهر المثل بالدخول وعليها العدة لهذا الوطء ولا نفقة لها ; لأنها صدقته في وقوع الطلاق قبل الدخول وإن كذبته المرأة في اليمين فلها مهر واحد ولها النفقة والسكنى ; لأنها تزعم أن الطلاق وقع عليها بإقراره بعد الدخول ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل وقد وقعت حادثة في عدة الوفاة استخرجنا حكمها من هذه القاعدة وأوضحناها في القواعد الفقهية ، وفي القنية طلقها ثلاثا ثم قال بعده كان قبلها طلقة وانقضت عدتها فلم تقع الثلاث وصدقته في ذلك فقد ذكر في الجامع أنهما يصدقان وذكر علي البزدوي أنهما لا يصدقان وعليه الفتوى وإن لم تصدقه هي لا يصدق ا هـ .

                                                                                        وفيها طلقها ثلاثا ويقول كنت طلقتها قبل ذلك واحدة وانقضت عدتها ، فإن كان انقضاء العدة معلوما عند الناس لا يقع الثلاث وإلا يقع ، ولو حكم عليه بوقوع الثلاث بالبينة [ ص: 158 ] بعد إنكاره فلو أقام بينة إني كنت طلقتها قبل ذلك طلقة بمدة مديدة لا يلتفت إليه ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير وعرف أن تقييده بالإقرار يفيد أن الطلاق المتقدم إذا ثبت بالبينة ينبغي أن تعتبر العدة من وقت قامت لعدم التهمة ; لأن ثبوته بالبينة لا بالإقرار ا هـ .

                                                                                        وهو مقيد بما إذا كان تأخير الشهادة لعذر أما إذا كان لغير عذر لم تقبل الشهادة كما في القنية ، وفي الخانية الفتوى على أن العدة من وقت الإقرار صدقته أو كذبته ولا يظهر أثر تصديقها إلا في إسقاط النفقة ووفق السغدي فحمل كلام محمد على ما إذا كانا متفرقين وكلام المشايخ على ما إذا كانا مجتمعين ; لأن الكذب في كلامهما ظاهر ، وهذا هو التوفيق إن شاء الله تعالى ، وفي فتح القدير إن فتوى المتأخرين مخالفة للأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فينبغي أن يقيد بمحل التهمة ولذا قيده السغدي بأن يكونا مجتمعين .

                                                                                        وفي الجوهرة ، ولو أن امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات أو طلقها ثلاثا أو أتاها كتاب من زوجها على يد ثقة بالطلاق ولا تدري أنه كتابه أم لا إلا أن أكبر رأيها أنه حق فلا بأس أن تعتد وتتزوج ، وكذا لو قالت امرأة لرجل طلقني زوجي وانقضت عدتي لا بأس أن يتزوجها ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا بعدما دخل بها فلم يعدلا حتى مضى أيام ثم عدلا وقضى القاضي بالفرقة بينهما تعتبر العدة من يوم الشهادة لا من يوم القضاء ا هـ .

                                                                                        وهل يحال بينه وبينها بعد الشهادة قبل التزكية كتبناها في القواعد الفقهية في السابع عشر بعد الثلثمائة وكتبنا فيها ما تسمع فيها الشهادة بدون الدعوى وهي اثنتا عشرة مسألة ، وفي فتح القدير ، ولو جعل أمر امرأته بيدها إن ضربها فضربها فطلقت نفسها فأنكر الزوج الضرب فأقامت البينة عليه وقضى القاضي بالفرقة فالعدة من وقت القضاء أو من وقت الضرب ينبغي أن يكون من وقت الضرب ، ولو طلقها فأنكر فأقيمت البينة فقضي بالطلاق فالعدة من وقت الطلاق لا القضاء ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى قال : إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثا ثم فعلت ذلك ولم يعلم الزوج به ومضى عليه ثلاثة أقراء وتزوجت بآخر ودخل بها ثم طلقها واعتدت ثم أخبرت زوجها بما صنعت وصدقها لم تحل له ; لأن عدة المطلقة ثلاثا من وقت الفراق عندنا لا من وقت الطلاق وعند زفر تحل ; لأنها من وقت الطلاق عنده ولا محل لقول المحقق ابن الهمام ينبغي أن تكون العدة من وقت الضرب بل يتعين الجزم بكونها من وقت طلاقها نفسها لا من وقت القضاء ولا من وقت الضرب كما جزم به في البزازية كما لو ادعت الطلاق في شوال وقضي بالفرقة في المحرم فالعدة من وقت الطلاق لا من وقت القضاء ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية طلقها بائنا أو ثلاثا ثم أقام معها زمانا إن أقام وهو ينكر طلاقها لا تنقضي عدتها وإن أقام وهو يقر بالطلاق تنقضي عدتها ا هـ . فعلى هذا مبدأ العدة من وقت ثبوت الطلاق في هذه المسألة وفيها أيضا قال لامرأته المدخولة : كلما حضت وطهرت فأنت طالق فحاضت ثلاثا كانت العدة عليها من وقت الطلاق الأول ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا إذا حاضت ثلاثا بانت بثلاث وبقي عليها حيضة من عدتها لكن الثالثة لا تقع إلا بالطهر ، وفي القنية تزوجها نكاحا فاسدا وأنكر الدخول وهي تزعم أنها غير بالغة وأنه دخل بها لزمتها العدة حتى يحرم نكاحها على غيره ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا القول قوله في الدخول وعدمه في حق المهر وقولها في وجوب العدة .

                                                                                        [ ص: 157 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 157 ] ( قوله وقدمنا أن ابتداء العدة في الطلاق المبهم ) أي : فيما إذا قال لزوجتيه إحداكما طالق وقدمها تحت قوله ولزوجة الفار .

                                                                                        ( قوله وأما حكم وطئها في هذه المدة إلخ ) لينظر هل يتكرر المهر بتكرر الوطء وتقدم في باب المهر أن الأصل أن الوطء متى حصل عقب شبهة الملك مرارا لم يجب إلا مهر واحد ; لأن الثاني صادف ملكه كالوطء في النكاح الفاسد وكما لو وطئ جارية ابنه أو جارية مكاتبه أو وطئ منكوحته ثم بان أنه حلف بطلاقها ومتى حصل الوطء عقيب شبهة الاشتباه مرارا فإنه يجب بكل وطء مهر على حدة ; لأن كل وطء صادف ملك الغير كوطء الابن جارية أبيه أو أمه أو جارية امرأته مرارا وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطء مهر ثم ، قال : وفي الخلاصة لو وطئ المعتدة عن طلاق ثلاث وادعى الشبهة يلزمه مهر واحد أم بكل [ ص: 158 ] وطء مهر قيل : إن كانت الطلقات الثلاث جملة فظن أنها لم تقع فهو ظن في موضعه فيلزمه مهر واحد وإن ظن أنها تقع لكن ظن أن وطأها حلال فهو ظن في غير موضعه فيلزمه بكل وطء مهر . ( قوله وينبغي أن تعتبر العدة من وقت قامت ) قال المقدسي في شرحه أقول : مراده من وقت الطلاق الذي أقيم عليه البينة لا من وقت إقامة البينة عند القاضي ا هـ . فليتأمل .

                                                                                        ( قوله ووفق السغدي إلخ ) قال في الفتح بعد قوله فينبغي أن يقيد بمحل التهمة والناس الذين هم مظانها ولذا فصل السغدي حيث قال ما ذكر محمد يعني من أن ابتداء العدة من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد قال محمد وعلى هذا إذا فارقها زمانا ثم قال لها : كنت طلقتك منذ كذا وهي لا تعلم بذلك يصدق وتعتبر عدتها من ذلك الوقت ثم لا تجب عليه نفقة ولا سكنى لاعترافها بالسقوط ، وعلى قول هؤلاء ينبغي أن لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها .

                                                                                        ( قوله تعتبر العدة من يوم الشهادة لا من يوم القضاء ) قال بعض الفضلاء هذا على حذف مضاف أي : من يوم تحمل الشهادة لا من يوم أدائها فإنهما لو شهدا في المحرم أنه طلقها في شوال كان ابتداء العدة من شوال كما يأتي




                                                                                        الخدمات العلمية