الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم بين صفة التيمم فقال ( يضع يديه على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما ويمسح بهما وجهه ثم يضع يديه ثانية على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما ثم يمسح بهما كفيه وذراعيه من المرفقين . قال : فإن مسح وجهه وذراعيه ولم يمسح ظهر كفيه لم يجزه ) فقد ذكر الوضع ، والآثار جاءت بلفظ الضرب { قال صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر أما يكفيك ضربتان } والوضع جائز والضرب أبلغ ليتخلل التراب بين أصابعه وينفضهما مرة وعن أبي يوسف رحمه الله أنه [ ص: 107 ] قال : ينفضهما مرتين وفي الحقيقة لا خلاف فإن ما التصق بكفه من التراب إن تناثر بنفضة واحدة يكتفي بها وإن لم يتناثر نفض نفضتين ; لأن الواجب التمسح بكف موضوع على الأرض لا استعمال التراب فإن استعمال التراب مثله .

ثم التيمم ضربتان عند عامة العلماء وكان ابن سيرين يقول ثلاث ضربات ضربة يستعملها للوجه وضربة في الذراعين وضربة ثالثة فيهما ، وحديث عمار حجة عليه كما روينا وكذلك ظاهر قوله تعالى { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } يوجب المسح دون التكرار ثم التيمم إلى المرافق في قول علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى . وقال الأوزاعي والأعمش إلى الرسغين ، وقال الزهري رحمه الله إلى الآباط ، وحديث عمار رضي الله عنه قد ورد بكل ذلك فرجحنا روايته إلى المرفقين لحديثين أحدهما حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين } والثاني حديث الأشلع { أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين } والمعنى فيه أن التيمم بدل عن الوضوء ثم الوضوء في اليدين إلى المرفقين فالتيمم كذلك ، وتقريره أنه سقط في التيمم عضوان أصلا وبقي عضوان فيكون التيمم فيهما كالوضوء في الكل كما أن الصلاة في السفر سقط منه ركعتان كان الباقي منها بصفة الكمال ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم حتى إذا ترك شيئا من ذلك لم يجزه إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال : الأكثر يقوم مقام الكمال ; لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في المسح بالخف والرأس فأما في ظاهر الرواية الاستيعاب في التيمم فرض كما في الوضوء ولهذا قالوا : لا بد من نزع الخاتم في التيمم ولا بد من تخليل الأصابع ليتم به المسح . ومن قال التيمم إلى الرسغ استدل بآية السرقة قال الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ثم كان القطع من الرسغ ، ولكنا نقول ذاك عقوبة ، وفي العقوبات لا يؤخذ إلا باليقين ، والتيمم عبادة وفي العبادات يؤخذ بالاحتياط ومن قال إلى الآباط قال اسم الأيدي مطلقا يتناول الجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط ولكنا نقول التيمم بدل عن الوضوء فالتنصيص على الغاية في الوضوء يكون تنصيصا عليه في التيمم . يقول في الكتاب وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى : سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن التيمم فقال : الوجه والذراعان إلى المرفقين فقلت : كيف ؟ فمال بيده على الصعيد فأقبل بيده وأدبر ثم نفضهما ثم مسح وجهه ثم أعاد كفيه جميعا على الصعيد فأقبل بهما وأدبر ثم رفعهما [ ص: 108 ] ونفضهما ثم مسح بكل كف ظهر ذراع الأخرى وباطنها إلى المرفقين ، وفي قوله أقبل بهما وأدبر وجهان :

أحدهما : أنه قبل الوضع على الأرض أقبل بهما وأدبر لينظر هل التصق بكفه شيء يصير حائلا بينه وبين الصعيد .

والثاني : أقبل بهما على الصعيد وأدبر بهما وهذا هو الأظهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية