الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1714 [ ص: 298 ] حديث ثالث وعشرون لزيد بن أسلم مسند

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي ، عن جدته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ردوا السائل ولو بظلف محرق .

التالي السابق


هكذا رواه جماعة رواة الموطأ عن مالك ، وتابع مالكا على إسناد هذا الحديث ولفظه ومعناه - معمر ، عن زيد بن أسلم .

وكذلك رواه منصور بن حيان ، وسعيد المقبري ، عن ابن بجيد ، عن جدته ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث مالك ، رواه ( عن ) المقبري محمد بن إسحاق ، وابن أبي ذئب ، ورواه عن منصور بن حيان - سفيان .

والظلف في اللغة : الظفر من ذوي الأظلاف ، وذلك معروف .

قال الفرزدق :


وكان كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية مدفونة تستثيرها

[ ص: 299 ] وابن بجيد مدني معروف ، روى عنه زيد بن أسلم ، وسعيد المقبري ، ومنصور بن حيان حديثه هذا .

وجدت في أصل سماع أبي - رحمه الله - بخطه ، أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال ، حدثهم قال : أخبرنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد ، عن أم بجيد ، قالت : قلت يا رسول الله : ( والله ) إن المسكين ليقف على بابي حتى أستحيي ، فما أجد ما أضع في يده ، فقال : ادفعي في يده ، ولو ظلفا محترقا .

وبهذا الإسناد عن أسد ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثنا سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد أخي بني حارثة ، عن جدته أم بجيد أنها حدثته - وكانت ممن بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 300 ] والله إن المسكين ليقوم على بابي ، فما أجد له شيئا أعطيه إياه ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن لم تجدي له شيئا تعطيه إياه إلا ظلفا محرقا ، فادفعيه إليه في يده .

وخالف حفص بن ميسرة ( أبو عمر الصنعاني ) في إسناد هذا الحديث وفي الذي قبله ، فقلبهما وجعل إسناد هذا في متن ذلك ، رواه ابن وهب ، ومعاذ بن فضالة ، عن أبي عمر الصنعاني حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن معاذ الأشهلي ، عن جدته حواء ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ردوا السائل ولو بظلف محرق . وهذا لفظ حديث ابن وهب ، وقال معاذ : ولو شيء محترق .

وتابعه على هذا اللفظ ( بهذا الإسناد ) هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، ( وهذا الحديث إنما هو لابن بجيد .

وروي أيضا عن حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ) ، عن ابن بجيد ، عن جدته ، أم بجيد : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

[ ص: 301 ] وقد روي عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن بجيد الأنصاري ، عن جدته ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا نساء المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

وهذا عند مالك إنما هو حديث عمرو بن معاذ الأشهلي ، إلا أن لفظ حديث مالك ليس فيه ذكر فرسن ، وإنما فيه : ولو كراع محترق .

قال صاحب العين : فرسن البعير معروف .

وقال الأصمعي في قوله فرسن شاة : هذه استعارة ، وإنما يعرف الفرسن للبعير ، والظلف للشاة . ( قال ) : واستعارة الفرسن لغير البعير ، هو كقول الشاعر :


أشكو إلى مولاي من مولاتي تربط بالحبل أكيرعاتي

قال أبو عمر :

في هذا الحديث : الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها . وفي قول الله عز وجل : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، أوضح الدلائل في هذا الباب .

[ ص: 302 ] وتصدقت عائشة - رضي الله عنها - بحبتين من عنب ، فنظر إليها بعض أهل بيتها ، فقالت : لا تعجبن ، فكم فيها من مثقال ذرة !

ومن هذا الباب قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة .

وإذا كان الله يربي الصدقات ، ويأخذ الصدقة بيمينه ، فيربيها كما يربي أحدنا فلوه ، أو فصيله ، فما بال من عرف هذا يغفل عنه ؟ وما التوفيق إلا بالله .

وفي سماع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن بجيد هذا من رواية المقبري وغيره ، قول جدة ابن بجيد له : إن المسكين ليقف على بابي ، ولم ينكر عليها - دليل على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : ليس المسكين بالطواف عليكم . لم يرد به ( اسم ) المسكنة ، ولكنه أراد معنى منها ليس موجودا في الطواف على الأبواب ، وهو الصبر على اللأواء والفقر مع ترك السؤال ، وكلاهما يقع عليه اسم مسكين بظاهر الحديثين ; فكأنه أراد - والله أعلم - ليس المسكين على تمام المسكنة وعلى الحقيقة ، إلا الذي لا يسأل الناس ، ومنه قوله - صلى الله عليه [ ص: 303 ] وسلم - : ليس ( من ) البر الصيام في السفر ; أي ليس البر كله بتمامه ; لأن الفطر أيضا في السفر في رمضان بر ، للأخذ برخصة الله عز وجل وإباحته ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية