الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإن صح ما ذكرنا فلا يخلو حال الحيوان من أحد أمرين : إما أن يكون مأكولا ، أو غير مأكول : فإن كان مأكولا فلا يجوز بيعه باللحم بحال ، سواء كان اللحم من جنسه كلحم الغنم بالغنم ، أو من غير جنسه كلحم الطير بالغنم ، وكذلك لا يجوز بيع لحم الجزور بالعصفور ، وفي جواز بيعه بالسمك ، وجهان من اختلاف أصحابنا في السمك ، هل هو صنف من اللحم أم لا ؟ وفي جواز بيع اللحم بالسمك الحي أيضا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز : لأنه لحم لحيوان .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز : لأن حي السمك في حكم ميته بخلاف الحيوان ، فأما إن كان الحيوان غير مأكول كالبغل والحمار ، ففي جواز بيعه باللحم قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز : لعموم النهي ، وبه قال من أصحابنا من زعم أن دليل المسألة اتباع السنة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يجوز : لأنه حيوان ليس فيه لحم مأكول ، وبهذا قال من أصحابنا من زعم أن دليل المسألة اتباع القياس .

                                                                                                                                            فأما بيع الشحم بالحيوان ، فعلى وجهين مخرجين من هذين القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز إذا قيل إن طريق المسألة اتباع السنة : لأن السنة خصت اللحم دون الشحم .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز إذا قيل إن طريقها القياس : لأن في الحيوان شحما ، وكذا بيع الحيوان بالكبد والطحال على هذين الوجهين . وأما بيع الحيوان بالجلد والعظم فيجوز على الوجهين : لأن الجلد والعظم ما لا ربا فيه بخلاف اللحم ، وكذا بيع البيض بالدجاج يجوز على الوجهين معا بخلاف اللحم : لأن اللحم بعض الحيوان ، وليس البيض بعض الدجاج ، وكذا بيع اللبن بالحيوان يجوز ، فإن قيل : فاللبن عند العرب لحم : روي أن نبيا شكا إلى الله عز وجل الضعف ، فأوحى إليه أن كل اللحم باللحم . يعني : اللبن باللحم ، وقال الشاعر :

                                                                                                                                            [ ص: 160 ]

                                                                                                                                            نطعمها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر

                                                                                                                                            يعني أن تطعمها اللبن عند عزة المرعى ، فلما كان اللبن عند العرب لحما ، ثم ثبت بالشرع أن بيع اللحم بالحيوان لا يجوز ، فلذا بيع اللبن بالحيوان لا يجوز . قيل : إنما سمت العرب اللبن لحما على طريق الاستعارة والمجاز ، وليس بلحم على الحقيقة ، لا في الشرع ولا في اللغة ، ألا ترى إلى جواز بيع اللحم باللبن متفاضلا ، وأنه لا يحنث إذا حلف لا يأكل لحما فأكل لبنا ، والأحكام إذا علقت بالأسماء تناولت الحقيقة دون المجاز ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية