الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) ولو قال لها : رأسك طالق ، كانت طالقا لا بإضافة الطلاق إلى الرأس بعينه فإنه لو قال : الرأس منك طالق أو وضع يده على رأسها وقال : هذا العضو منك طالق ، لا يقع شيء ولكن باعتبار أن الرأس يعبر به عن جميع البدن يقال هؤلاء رءوس القوم ومع الإضافة إلى الشخص أيضا يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل : أمري حسن ما دام رأسك أي ما دمت باقيا وكذلك الوجه يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل لغيره : يا وجه العرب ، وكذلك الجسد والبدن والرقبة والعنق يعبر بها عن جميع البدن قال الله تعالى { فتحرير رقبة } وقال الله تعالى { فظلت أعناقهم لها خاضعين } وكذلك الفرج قال صلى الله عليه وسلم { لعن الله الفروج على السروج } وكذلك الروح يعبر بها عن جميع البدن وهو مذكور في كتاب الكفالة فصار هو بهذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى جميعها فكأنه قال : أنت طالق ، وأما إذا قال يدك طالق أو رجلك طالق أو أصبعك طالق ، لا يقع شيء عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى : تطلق ; لأنه أضاف الطلاق إلى جزء مستمتع به منها بعقد النكاح فيقع الطلاق كالوجه والرأس وهذا ; لأن مبنى الطلاق على الغلبة والسراية فإذا أوقعه على جزء منها ، يسري إلى جميعها كالجزء الشائع [ ص: 90 ] وبه فارق النكاح فإنه غير مبني على السراية ولهذا لا تصح إضافته عندي إلى جزء شائع وهذا ; لأن الحل والحرمة إذا اجتمعا في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء ، والدليل عليه أنه لو قال لها : أنت طالق شهرا ، يقع مؤبدا ولو قال : تزوجتك شهرا ، لم يصح النكاح فيجعل ذكر جزء منها كذكر جزء من الزمان في الفصلين ، وحجتنا في ذلك أن الأصبع ليس بمحل لإضافة النكاح إليه ، فكذلك الطلاق لمعنى وهو أنه تبع في حكم النكاح والطلاق ولهذا صح النكاح والطلاق وإن لم يكن لها أصبع ويبقى بعد فوات الأصبع وهذا ; لأن النكاح والطلاق يرد عليها فتكون الأطراف فيه تبعا كما في ملك الرقبة شراء وملك القصاص وإذا ثبت أنه تبع ، فبذكر الأصل ، يصير التبع مذكورا ، فأما بذكر التبع ، لا يصير الأصل مذكورا وإذا كان تبعا ، لا يكون محل الإضافة التصرف إليه ، والسراية إنما تتحقق بعد صحة الإضافة إلى محله وقد ذكرنا في الوجه والرأس أن الوقوع ليس بطريق السراية بل باعتبار أن ما ذكر عبارة عن جميع البدن حتى لو كان عرفا .

ظاهر القوم أنهم يذكرون اليد عبارة عن جميع البدن نقول : يقع الطلاق في حقهم ولا يمكن تصحيح الكلام هنا بطريق الإضمار وهو أن يقدم الإيقاع على البدن لتصحيح كلامه ; لأنه لو كان هذا كلاما مستقيما ، لصح إضافة النكاح إلى اليد بهذا الطريق وهذا ; لأن المقتضى تبع للمقتضي ، وجعل الأصل تبعا للأصبع متعذر فلهذا لا يصح بطريق الاقتضاء وهذا بخلاف ما لو أضاف إلى جزء شائع كالصنف والثلث والربع ; لأن الجزء الشائع ليس بتبع وهو محل لإضافة سائر التصرفات إليه فإذا صحت الإضافة إلى محلها ، ثبت الحكم في الكل بطريق السراية أو بطريق أنها لا تحتمل التجزيء في حكم الطلاق ، وذكر جزء ما لا يتجزأ كذكر الكل ولهذا صحت إضافة النكاح إلى جزء شائع عندنا وهذا بخلاف ما لو قال : أنت طالق شهرا ; لأن الإضافة صحت إلى محلها ، والطلاق بعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلا ينعدم بذكر التوقيت فيما وراء المدة بخلاف النكاح فإنه يحتمل الرفع فبالتوقيت ينعدم فيما وراء الوقت ولا يمكن تصحيحه موقتا . وقع في بعض النسخ لو قال : بضعك طالق ، يقع وهذا تصحيف إنما هو بعضك طالق أو نصفك طالق فأما البضع لا يعبر به عن جميع البدن ولم يذكر ما لو قال : ظهرك طالق أو بطنك طالق وقد قال بعض مشايخنا : إنه يقع الطلاق ; لأن الظهر والبطن في معنى الأصل إذ لا يتصور النكاح بدونهما والأصح أنه لا يقع على ما ذكر بعد [ ص: 91 ] هذا في باب الظهار أنه إذا قال : ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي ، لا يكون مظاهرا ; لأن الظهر والبطن لا يعبر بهما عن جميع البدن .

التالي السابق


الخدمات العلمية