الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أسلم لمعاوض مدبر ونحوه استوفيت خدمته ، [ ص: 209 ] ثم هل يتبع إن عتق بالثمن أو بما بقي ؟ قولان وعبد الحربي يسلم : حر إن فر ، أو بقي حتى غنم ، لا إن خرج [ ص: 210 ] بعد إسلام سيده أو بمجرد إسلامه [ ص: 211 ] وهدم السبي النكاح إلا أن تسبى وتسلم بعده وولده وماله [ ص: 212 ] فيء مطلقا ، لا ولد صغير لكتابية سبيت ، أو مسلمة وهل كبار المسلمة فيء ، أو إن قاتلوا " تأويلان ، وولد الأمة لمالكها .

التالي السابق


( وإن أسلم ) بضم الهمزة وكسر اللام أي أسلم السيد ( لمعاوض ) بكسر الواو وفتحها على عبد بدار الحرب ، ونائب فاعل أسلم ( مدبر ) بفتح الموحدة ( ونحوه ) أي المدبر في كونه ذا شائبة حرية كمعتق لأجل ليستوفي منه ما عاوض به عليه ( استوفيت ) بضم المثناة فوق وكسر الفاء ( خدمته ) أي المدبر أو نحوه ، والمفهوم من لفظه أن المعاوض يملك جميع خدمته إلى موت السيد أو أجل العتق وإن زادت على الثمن الذي عاوض به عليه وهو قول ابن القاسم فلا يرجع الزائد للسيد . [ ص: 209 ]

( ثم ) إن مات سيد المدبر أو حل أجل العتق قبل استيفاء الثمن من الخدمة تحرر المدبر إن حمله ثلث مال سيده وعتق المعتق لأجل واختلف ( هل يتبع ) بضم التحتية وفتح الموحدة العبد الذي كان مدبرا أو معتقا لأجل ( إن عتق ) المدبر بموت سيده وحمل قيمته ثلث مال سيده والمعتق لأجل بحلول أجل عتقه وصلة يتبع ( بالثمن ) كله بناء على أنه أخذه ملكا فلا يحاسب بما استوفاه ; لأنها غلة وهذا قول سحنون .

( أو ) يتبع ( بما بقي ) من ثمنه بعد محاسبة مستلمه بما استوفاه من خدمته ، وهذا قول محمد بن المواز بناء على أنه أخذه تقاضيا في الجواب ( قولان ) لم يطلع المصنف على أرجحية أحدهما ، ومقتضى ابن الحاجب ترجيح الأول لتصديره به ، وحكاية الثاني بقيل ، ومقتضى نقل المواق ترجيح الثاني . الدميري والطخيخي انظر الفرق على الأول بين هذا وبين ما أخذ من الغنيمة وهو مدبر أو معتق لأجل وأسلمه سيده ومات أو حل الأجل قبل استيفاء ثمنه من خدمته ، فإنه يتبع بما بقي فقط قولا واحدا ، ففرق أحمد بأن السابق وقع في سهمه ، وهذا عاوض عليه فهو أشد فلذا جرى فيه قول باتباعه بالجميع ، ونظر فيه بأن ما تقدم ليس خاصا بمن وقع في السهم إذ هو شامل للمشتري ، فلم يتم الفرق ، فلو فرق بأن الملك في المشتري بدار الحرب أتم ربما كان أسلم والله أعلم .

وفرق الحط بأن المعاوض بدار الحرب دخل على ملك الرقبة والذي عاوض في المقاسم دخل على الخدمة ونظر فيه بأن هذا دخل على الرقبة لجهل حالها والله أعلم على أنه تقدم أن من عاوض ليتملك لا شيء له والله أعلم .

( وعبد الحربي يسلم ) بضم فسكون فكسر ، وكذا إن لم يسلم على المعتمد ( حر إن فر ) بفتح الفاء وشد الراء أي هرب من بلد الحرب إلينا قبل إسلام سيده ولو استمر كافرا عندنا وأسلم سيده بعده ، وإن قدم إلينا بمال فهو له ، ولا يخمس ( أو ) لم يفر إلينا بعد إسلامه و ( بقي ) العبد المسلم بأرض الحرب ( حتى غنم ) بضم فكسر أي غنمه المسلمون وسيده كافر فحر أيضا ( لا ) يكون العبد الذي أسلم حرا ( إن خرج ) العبد الذي أسلم [ ص: 210 ] من دار الحرب إلينا فارا مسلما ( بعد إسلام سيده ) بمدة فهو رق لسيده .

( أو ) خرج العبد إلينا مسلما ( بمجرد إسلامه ) أي السيد فلا يكون حرا ، فقوله إن فر شامل لثلاث صور فراره بعد إسلام سيده بمدة ، وفراره بمجرد إسلامه ، وفراره قبل إسلام سيده ، أخرج الأول بقوله لا إن خرج بعد إسلام سيده ، والثاني بقوله أو بمجرد إسلامه ، فقوله أو بمجرد عطف على قوله بعد إسلام سيده أفاده عب تبعا لتت . طفي لا تخفى ركاكته فالصواب أن الضمير للعبد ، وأن المراد أنه لا يتحرر بمجرد إسلامه من غير فرار ، ولا غنيمة خلافا لأشهب وسحنون ، وذلك أن ابن القاسم قال لا يزول ملك سيده عنه بمجرد إسلامه ، بل حتى يفر أو يغنم ، فأراد المصنف اختصار قول ابن الحاجب ، ولا يكون بمجرد إسلامه حرا خلافا لأشهب وسحنون .

وأما إن أسلما معا وخرج العبد فهو داخل في قوله لا إن خرج بعد إسلام سيده ; لأنه شمل تقدم إسلام السيد أو العبد وإسلامهما معا ، فهو كقولها وإن خرج العبد إلينا مسلما وترك سيده مسلما فهو رق له إن أتى ، فقال أبو الحسن " ظ " تقدم إسلام العبد على إسلام السيد أم لا ، هذا على مذهب ابن القاسم الذي يرى أن إسلام العبد لا يزيل ملك سيده حتى يخرج إلينا مسلما وأما على مذهب أشهب الذي يرى أن إسلام العبد يزيل ملك سيده عنه ، فإنما يكون رقا إذا تقدم إسلام السيد ، فإن تقدم إسلام العبد فهو حر بنفس إسلامه ا هـ .

البناني فقوله أو بمجرد إسلامه عطف على معنى قوله إن خرج لا على بعد أي لا بخروجه ، ولا بمجرد إسلامه وهو وإن كان تكرارا مع مفهوم قوله إن فر إلينا إلخ ، لكن أتى به لنكتة خلاف أشهب وسحنون ، ويظهر أثر الخلاف فيما إذا أعتقه سيده بمجرد إسلامه أو باعه لمسلم فعلى المشهور ، ولاؤه لسيده الذي أعتقه ; لأن عتقه صادف محلا وصح بيعه ، وعلى مقابله ، ولاؤه للمسلمين ولم يصح بيعه . ودليل المشهور عتق أبي بكر الصديق بلالا رضي الله تعالى عنهما بعد شرائه من مواليه مسلما وهم يعذبونه في إسلامه ، وكان ، ولاؤه له رضي الله تعالى عنهما . [ ص: 211 ]

( وهدم ) بإهمال الدال أي أسقط ونقض وإعجامها أي قطع بسرعة قاله في المصباح ( السبي ) منا لزوجين كافرين ( النكاح ) بينهما سواء سبيا معا أو مرتبين وهذا قسم ، أو سبيت هي قبل إسلامه وقدومه بأمان أو قبل إسلامه وبعد قدومه بأمان أو سبي هو فقط ، ففي هذه الأقسام الأربعة ينهدم النكاح بينهما . وعليها الاستبراء بحيضة لا عدة ; لأنها صارت أمة تحل لسابيها بحيضة ، وسواء في القسم الأول حصل إسلام منه أو منها بين سبيهما إذا ترتب أو بعده ، وسواء في الثانية بقيا على كفرهما أو أسلما بعد سبيهما ولو تقدم إسلامه على إسلامها ، ولا يقر عليها ; لأنها قبل إسلامه ملك للسابي ، ويقر عليها في الثالث إن أسلمت وأسلم أو عتقت في عدتها وأقر عليها في الرابع إن أسلم في عدتها مطلقا أو بعدها إن لم تسلم ، ولها الخيار فيهما إذ هي حرة تحت عبد السابي ، وبقي قسم خامس وهو سبيها وإسلامها بعد إسلامه .

ولما دخل في عموم كلامه السابق استثناه بقوله ( إلا أن ) بفتح فسكون حرف مصدري صلته ( تسبى ) بضم المثناة وفتح الموحدة زوجة الحربي ( وتسلم ) بضم فسكون فكسر زوجة الحربي ( بعد ) الإسلام منه أي زوجها الحربي أو المستأمن وإن لم يتقدم في كلامه صريحا ما يدل على مرجع هذا الضمير وتنازع في بعد تسبى وتسلم فلا يهدم سبينا نكاحهما ، ويقران عليه ; لأنها أمة مسلمة تحت مسلم ، لكن يقيد بما إذا لم يتعلق به سبي وبإسلامها قبل حيضة وبعدم البعد بين إسلامهما ، ومثل إسلامها عتقها ، ولا يصح عود ضمير بعده على السبي مرادا به سبي الرجل كما هو المتبادر من كلامه لما علمت أنه إذا سبيا انهدم النكاح بلا تفصيل ، ولا يصح أيضا عوده لقدومه بأمان لما علمت أيضا أنها إذا سبيت قبل إسلامه وبعد قدومه بأمان فلا يقر عليها بحال ا هـ عب .

( وولده ) أي الحربي ، الذي أسلم وفر إلينا أو بقي في بلده حتى غزاها المسلمون فغنموا ولده الذي حملت به أمه قبل إسلامه بدليل قوله سابقا ورق إن حملت به بكفر ( وماله ) [ ص: 212 ] أي الحربي الذي أسلم كذلك ( فيء ) أي غنيمة للجيش الذي دخل بلده فالأولى غنيمة والذي حملت به بعد إسلامه حر اتفاقا وزوجته غنيمة اتفاقا . وكذا مهرها فقيل يفسخ نكاحه لملكه جزأها ، وقيل لا ( مطلقا ) أي كان الولد صغيرا أو كبيرا جاء الحربي الذي أسلم إلينا وترك ولده ببلده أم لم يجئ ( لا ) يكون فيئا ( ولد صغير ) ولد بدار الحرب ( لكتابية ) أو مجوسية فالأولى ذمية حرة ( سبيت ) بضم فكسر أي سباها حربي من بلد الإسلام إلى بلده ووطئها فولدت منه ( أو ) ولد صغير ( لمسلمة ) حرة سبيت ووطئها سابيها فأتت منه بولد ثم غنم المسلمون الحربي والحرة الكتابية أو المسلمة وأولادهما الصغار فهم أحرار تبعا لأمهم ، ومفهوم صغير أن الكبير لكتابية فيء .

( وهل كبار ) الحرة ( المسلمة فيء ) وإن لم يقاتلوا ( أو ) فيء ( إن قاتلوا ) المسلمين مع الحربيين فإن لم يقاتلوا فهم أحرار في الجواب ( تأويلان ) في قولها وأما الكبار إذا بلغوا وقاتلوا فهم فيء ، فحملها ابن أبي زيد على ظاهرها ورأى ابن شبلون أن الشرط لا مفهوم له ، وأن المقصود كونهم بحال يمكنهم فيه القتال ( وولد الأمة ) التي سباها حربي من مسلم أو ذمي وأولدها غنمها المسلمون مع ولدها ( لمالكها ) صغارا كانوا أو كبارا من زوج أو غيره ; لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية ، وفي شرح أبي الحسن على الرسالة وابن ناجي على المدونة أن ولد الزنا يتبع أمه في الحرية والرقية .




الخدمات العلمية