الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا كانت الشجرة مما تكون فيه الثمرة ظاهرة ، ثم تخرج منها قبل أن تبلغ الخارجة ثمرة غيرها ، فإن تميز فللبائع الثمرة الخارجة وللمشتري الحادثة ، وإن كان لا يتميز ، ففيها قولان : أحدهما : لا يجوز البيع إلا أن يسلمه البائع الثمرة كلها ، فيكون قد زاده حقا له ، أو يتركه المشتري للبائع فيعفو له عن حقه ، والقول الثاني : أن البيع مفسوخ ، وكذلك قال في هذا الكتاب وفي الإملاء على مسائل مالك مفسوخ ، وهكذا قال في بيع الباذنجان في شجره والخربز " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ذكر الشافعي رحمه الله في الأم مسألتين نقل المزني إحداهما ، وأغفل المقدمة منهما ، فكان الأولى البداية بما أغفله ليكون جواب الأخرى مبنيا عليها . وصورتها في رجل باع ثمرة شجر أو بطيخ مزاح أو حمل باذنجان فلم يأخذه المشتري من شجره ، ولا لقط البطيخ من مزاحه حتى حدثت ثمرة أخرى ، فالحادثة ملك البائع لا يملكها المشتري .

                                                                                                                                            فإن كانت الحادثة تتميز عن الأولى بلون أو صغر أو نضج ، أخذ المشتري الثمرة المتقدمة ، وأخذ البائع الثمرة الحادثة وليس بينهما نزاع .

                                                                                                                                            وإن كانت الحادثة لا تتميز عن الأولى فقد صار المبيع مختلطا بغيره ، ففي البيع قولان منصوصان :

                                                                                                                                            [ ص: 173 ] أحدهما : أن البيع باطل : لأن المبيع قد اختلط بما لم يتميز عنه قبل استقرار القبض ، فأوقع ذلك جهالة في البيع فأبطله ، ولا يلزم المشتري أن يستحدث هبة ما لم يتناوله العقد ليصح له العقد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن البيع لا يبطل ، لكن يقال للبائع : اسمح للمشتري بالثمرة الحادثة ، فإن سمح له بها لزم المشتري قبولها ، وإن شح البائع بها وأقاما على الاختلاف والتنازع فيها فسخ الحاكم البيع بينهما .

                                                                                                                                            ووجه هذا القول أن امتياز البائع عن غيره من حين العقد إلى وقت القبض يمنع من طرق الفساد عليه بعد القبض كالاستهلاك ، وسماحة البائع بالحادثة لا تجري مجرى الهبة التي لا يلزم قبولها : لأن المقصود بها نفي الجهالة وتصحيح العقد ، فشابهت الزيادة المتصلة كالكبر والسمن .

                                                                                                                                            وأما المسألة الثانية وهي مسألة الكتاب فصورتها في رجل باع أرضا ذات شجر مثمر ، أو باع الشجر وحده وفيه ثمر ، فحكم بالثمر للبائع لأجل التأبير ، وبالشجر مع الأرض للمشتري ، فحدثت ثمرة أخرى قبل أن يتناول البائع ثمرته ، فإن كانت الحادثة تتميز عن الأولى بصغر أو بلون ، أو نضج كانت الأولى للبائع والحادثة للمشتري ، والبيع على حاله .

                                                                                                                                            وإن كانت الحادثة لا تتميز عن الأولى ، نقل المزني في البيع قولين كالمسألة الأولى ، فاختلف أصحابنا فكان أبو علي بن خيران يمنع من تخريجها على قولين ، وينسب المزني إلى الغلط في نقله ، ويقول : البيع صحيح قولا واحدا .

                                                                                                                                            لأن اختلاط الحادثة بالمتقدمة اختلاط في غير المبيع : لأن عقد البيع إنما يتناول الأرض والشجر ، وما كان عليه من الثمرة لم يدخل في العقد ، وما حدث من الثمرة لا يوجد وقت العقد ، فلا يوقع ذلك فسادا في العقد .

                                                                                                                                            وكان أبو إسحاق المروزي ، وطائفة يخرجون هذه المسألة على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العقد باطل لما ذكرنا .

                                                                                                                                            والثاني : جائز ، ويقال للمشتري : اسمح بالحادثة ، فإن سمح لزم البيع ، وإن شح بها ، قيل للبائع : أتسمح بالمتقدمة للمشتري ، فإن سمح بها ( له ) لزم البيع ، وإن شح وتنازعا فسخ الحاكم البيع بينهما .

                                                                                                                                            وما ذكره ابن خيران أصح جوابا وتعليلا ، وإن كان نقل المزني صحيحا ، والإذعان للحق أولى من نصر ما سواه ، وعلى ما يقتضيه مذهب ابن خيران إن تراضيا واتفقا على قدر [ ص: 174 ] الحادثة من المتقدمة ، وإلا فالقول قول صاحب اليد ولا يفسخ البيع : لأنه لا يجعل لما حدث تأثيرا في البيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية