الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 213 ] ( فصل ) عقد الجزية : إذن الإمام لكافر : [ ص: 214 ] صح سباؤه ، مكلف حر قادر [ ص: 215 ] مخالط ، لم يعتقه مسلم سكنى غير مكة والمدينة واليمن .

[ ص: 213 ]

التالي السابق


[ ص: 213 ] ( فصل ) في الجزية وأحكامها

ابن عرفة الجزية العنوية ما لزم الكافر من مال لا منه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه ا هـ . وفي الجواهر عقد الذمة التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب عنهم بشرط بذل الجزية والاستسلام منهم .

( عقد الجزية ) الرماصي صوابه الذمة كما في الجواهر لأن الجزية اصطلاحا هي المال المأخوذ منهم فلا معنى لإضافة العقد إليه ولم يبين المأذون فيه ، ففي الحد خفاء وتعمية إلا أن يقال يفهم من السياق ، وما أحسن قول صاحب الجواهر عقد الذمة والنظر في أركانه وأحكامه . الركن الأول نفس العقد وهو التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب عنهم بشرط بذل الجزية والاستسلام من جهتهم . ثم قال الركن الثاني العاقد وهو الإمام فانظر كيف أضاف العقد إلى الذمة ، ولعل المصنف حوم على عبارته فلم يساعده المرام ، فقوله إذن الإمام هو قول ابن شاس التزام تقريرهم إذ الالتزام والإذن متلازمان ، والمأذون فيه تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب عنهم إلا أن الحماية والذب المطابق لهما الالتزام لا الإذن ، فعبارة المصنف رحمه الله تعالى قاصرة على كل حال . ابن الأثير في نهايته الجزية المال الذي يعقد عليه الكتابي الذمة ( إذن الإمام لكافر ) ولو قرشيا فتؤخذ منهم على الراجح وما للشارح أنها لا تؤخذ منهم اتفاقا طريقة ا هـ .

البناني قوله تؤخذ منهم على الراجح إلخ أي لأنه المشهور عند ابن الحاجب . وقال المازري إنه ظاهر المذهب وهو مقتضى إطلاق المصنف وهذه طريقة ولابن رشد طريقة أخرى لا تؤخذ منهم إجماعا ، إما لمكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأن قريشا أسلموا كلهم ، فإن وجد كافر فمرتد المازري وإن ثبتت الردة فلا يختلف في عدم أخذها منهم [ ص: 214 ] صح سباؤه ) بالمد أي أسره قاله في الصحاح ، واحترز بالإمام عن غيره فلا يجوز عقدها بغير إذنه . قال في الجواهر ولو عقده مسلم بغير إذن الإمام لم يصح ، لكن يمنع الاغتيال أي القتل الأسر ، ويجب عليه إذا بذلوه ورآه مصلحة إمضاؤه إلا أن يخاف غائلتهم . ا هـ . وشمل قوله لكافر كل كافر شمولا بدليا لأنه نكرة في الإثبات ولأنه المناسب لغرضه هنا ، ولا يعترض عليه بكلام ابن رشد وابن الجهم من أنها لا تؤخذ من كفار قريش إجماعا لأنها طريقة مرجوحة كما مر وأتى بقوله كافر لا لإخراج المسلم إذ لا يتوهم ضربها عليه ، بل توطئة لقوله صح سباؤه ليخرج المرتد فلا يصح سبيه ، إذ لا يقر على ردته ، والمعاهد قبل انقضاء عهده ولو طال مقامه عندنا فلا يصح سباؤه إلا أن يضربها الإمام عليه حين يريد الإقامة فيصير من أهلها ، وليس له حينئذ الرجوع إلى بلده على أحد القولين . ابن الحاجب فلو قدم حربي وأراد الإقامة نظر السلطان فإن ضربها ثم أراد الرجوع ففي تمكينه قولان صح القول بتمكينه لمالك رضي الله تعالى عنه في الموازية واستحسنه ابن القاسم ، وقال محمد لا يمكن من الرجوع والأظهر المنع مطلقا وليخرج به أيضا الراهب والراهبة الحربيين ، ويخرجان أيضا بقوله الآتي " مخالط " .

( مكلف ) فلا تؤخذ من صغير فإن بلغ أخذت منه عند بلوغه ولا ينتظر به الحول من يومه ، ولعله مراعاة لقول أبي حنيفة تؤخذ أول السنة أو لمن يقول بعدم اشتراط التكليف ، وكذا يقال في قوله ( حر ) ومحل أخذها عند حدوث البلوغ والحرية إذا تقدم لضربها على كبارهم الأحرار حول ، وتقدم له هو عندنا حول صبيا أو رقيقا وإلا فلا تؤخذ منه حينئذ ، وإذا أخذت عند بلوغه أو حريته فلا تؤخذ منه ثانيا إلا بعد تمام حول من يوم أخذها منه والعاجز عنها إذا قدر عليها لا يطالب بما مضى قبل قدرته ، وتؤخذ منه حال قدرته كبلوغ الصبي وحرية العبد ( قادر ) ولو على بعضها فالذي لا يقدر على شيء منها فلا تطلب منه . [ ص: 215 ] مخالط ) لأهل دينه ولو راهب كنيسة أو شيخا فانيا أو زمنا ، أو أعمى ، ولا رأي لهم فيجوز استرقاقهم وضرب الجزية عليهم ولا يجوز قتلهم إلا راهب الكنيسة ، وخرج غير المخالط كراهب دير أو صومعة أو غار بلا رأي ومن له رأي ينظر فيه الإمام بما فيه المصلحة من قتل أو ضرب جزية أو استرقاق . ابن رشد وإن رأى الإمام مخالفة ما وصفناه من وجوه الاجتهاد كان ذلك له ( لم يعتقه ) أي الكافر الموصوف بما تقدم ( مسلم ) بأرض الإسلام بأن لم يجر عليه ملك لمسلم ولا لذمي أو أعتقه مسلم ببلد الحرب أو ذمي ولو ببلد الإسلام ، فإن أعتقه مسلم ببلد الإسلام فلا تضرب عليه . البناني العبد الكافر إذا أعتق لا يخلو إما أن يعتق بدار الحرب وهذا تضرب عليه الجزية لأنه كأحدهم سواء أعتقه حربي أو ذمي أو مسلم لقول ابن رشد إنما الخلاف في معتق بلد الإسلام .

وأما معتق بلد الحرب فعليه الجزية بكل حال ا هـ . وإما أن يعتق بدار الإسلام وهذا إن أعتقه مسلم فلا تضرب عليه إلا إذا حارب وأسر ، وهذا خرج بقوله صح سباؤه وإن أعتقه ذمي ضربت عليه تبعا لسيده وإن كان لا يصح سباؤه وهو وارد على المصنف ، فلو قال صح سبيه أو أعتقه ذمي لوفى به ، إذا علمت هذا فقوله لم يعتقه مسلم لا حاجة إليه للاستغناء عنه بقوله صح سبيه بل هو مضر لاقتضائه أن معتق المسلم بأرض الحرب لا تضرب عليه وليس ، كذلك والله أعلم . وصلة إذن في ( سكنى غير مكة والمدينة ) المنورة بأنوار ساكنها عليه أفضل الصلاة والسلام وما في حكمها من أرض الحجاز ( واليمن ) وهي جزيرة العرب التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم { لا يبقين دينان في جزيرة العرب } . أبو عبيدة ما بين حفير أبي موسى الأشعري وهو آخر العراق وأول الشام إلى أقصى اليمن طولا ، وفي العرض ما بين تبريز وهي آخر اليمن إلى منقطع السماوة وهو آخر حد الشام من جهة اليمن وهي آخر بلاد سبأ ، وكان يخرج المسافر من سبأ لهذه بلا زاد وهي مسيرة شهر وعشرين يوما لكثرة القرى بينهما .




الخدمات العلمية