الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وله ) أي المولى ( السفر بها ) أي بأمته ( وإن أبى الزوج ) ظهيرية ( وله إجبار قنه وأمته ) ولو أم ولد ، ولا يلزمه الاستبراء بل يندب ، فلو ولدت لأقل من نصف حول فهو من المولى والنكاح فاسد بحر من الاستيلاد وثبوت النسب ( على النكاح ) وإن لم يرضيا لا مكاتبه ومكاتبته ، بل يتوقف على إجازتهما ولو صغيرين إلحاقا بالبالغ ، فلو أديا وعتقا عاد موقوفا على إجازة المولى لا على إجازتهما [ ص: 173 ] لعدم أهليتهما إن لم يكن عصبة غيره ، ولو عجزا توقف نكاح المكاتب على رضا المولى ثانيا لعود مؤن النكاح عليه وبطل نكاح المكاتبة لأنه طرأ حل بات على موقوف فأبطله ، والدليل يعمل العجائب ، وبحث الكمال هنا غير صائب .

التالي السابق


( قوله وإن أبى الزوج ) أي وإن أوفى المهر بتمامه لأن حق المولى أقوى ط .

( قوله وله ) أي للمولى حيث تم الملك له نهر ، احترازا عن المكاتب ، فإن ملكه فيه ناقص ، فولاية الإجبار في المملوك تعتمد كمال الملك ، وهو كامل في المدبر وأم الولد وإن كان الرق ناقصا ، والمكاتب على عكسهما بحر .

( قوله ولو أم ولد ) ومثلها المدبر والمدبرة ، وأشار إلى أن القنة كذلك بالأولى ، لكنها داخلة في القن لإطلاقه عليهما كما مر ، فافهم .

( قوله ولا يلزمه الاستبراء ) قدمنا في فصل المحرمات أن الصحيح وجوب الاستبراء على السيد إذا أراد أن يزوجها وكان يطؤها ، وأما الزوج فقال في الهداية أنه لا يستبرئها لا استحبابا ولا وجوبا عندهما . وقال محمد : لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها . ا هـ . ورجح أبو الليث قول محمد ، وتقدم تمام الكلام على ذلك .

( قوله فهو من المولى ) أي إن ادعاه في القنة والمدبرة ولم ينفه عنه في أم الولد ط .

قلت : وهذا إذا زوجها غير عالم ، لما قدمناه في المحرمات عن التوشيح من أنه ينبغي أنه لو زوجها بعد العلم قبل اعترافه به أنه يجوز النكاح ويكون نفيا .

( قوله والنكاح فاسد ) فلا يلزم المهر إلا بوطء الزوج ط .

( قوله وإن لم يرضيا ) أشار إلى ما في القهستاني وغيره من أن المراد بالإجبار تزويجهما بلا رضاهما لا إكراههما على الإيجاب والقبول كما قيل . ا هـ . فافهم .

( قوله لا مكاتبة ومكاتبته ) لأنهما التحقا بالأجانب بعقد الكتابة ، ولهذا يستحقان الأرش على المولى بالجناية عليهما وتستحق المكاتبة المهر إذا وطئها المولى فصارا كالحرين فلا يجبران على النكاح ط عن أبي السعود ( قوله ولو صغيرين ) ظاهره أن المراد الإجازة ولو في حال الصغر مع أن عبارة الصغيرين الحرين غير معتبرة أصلا . ويحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفذ نكاح المولى عليهما ولو كانا صغيرين ، بل يتوقف على إجازتهما بعد بلوغهما ، والمتبادر من كلامهم الأول تأمل .

( قوله فلو أديا ) أي بدل الكتابة قبل رد العقد فتح .

( قوله عاد موقوفا على إجازة المولى ) لأنه تجدد له ولاية أخرى غير الولاية التي قارنها رضاه بتزويجها لأن تلك الولاية كانت بحكم الملك وهذه بحكم الولاء ، فيشترط تجدد رضاه لتجدد الولاية وصار كالشريك إذا زوج العبد المشترك ثم ملك باقيه ، فإن النكاح يحتاج إلى إجازته لتجدد ملكه في الباقي ، وكمن أذن لعبد ابنه الصغير في التجارة ثم مات الابن فورثه فإن العبد يحتاج في التصرف إلى إذن جديد من الأب لتجدد ولاية ملكه ، وكمن زوج نافلته مع وجود ابنه ثم مات الابن فالنكاح يحتاج إلى إجازة الجد لتجدد ولايته ، بخلاف الراهن إذا باع العبد المرهون [ ص: 173 ] والمولى إذا باع العبد المأذون المديون ثم سقط الدين في الصورتين بطريق من طرق السقوط حيث لا يفتقر العقد فيهما إلى إجازة المالك ثانيا لأن نفاذ العقد فيهما بالولاية الأصلية وهي ولاية الملك من شرح تلخيص الجامع الكبير .

( قوله لعدم أهليتهما ) لأن الكتابة لم تبق بعد العتق والصغير ليس من أهل الإجازة .

( قوله إن لم يكن إلخ ) قيد لقوله عاد إلخ .

( قوله ثانيا ) راجع إلى رضا لا إلى توقف : أي رضا ثانيا قال في شرح التلخيص : لكن لا بد من إجازة المولى وإن كان قد رضي أولا . ا هـ . فافهم .

( قوله لعود مؤن النكاح عليه ) لأنه لما زوجه إنما رضي بتعلق مؤن النكاح كالمهر والنفقة بكسب المكاتب لا بملك نفسه ، وكسب المكاتب بعد عجزه ملك للمولى ، شرح التلخيص ( قوله لأنه طرأ حل بات ) أي حل وطئها للسيد على حل موقوف : أي حلها للزوج فأبطله كالأمة إذا تزوجت بغير إذن ثم ملكها من تحل له بطل النكاح لطريان الحل البات على الموقوف ، ولا يبطل نكاح العبد المكاتب لعدم الطريان المذكور ، من شرح التلخيص .

( قوله والدليل يعمل العجائب ) وجه العجب أن المولى يملك إلزام النكاح بعد العتق لا قبله ، وأنه يتوقف على إجازة المكاتب قبل العتق ولا يتوقف على إجازته بعده وأن المكاتبة لو ردت إلى الرق يبطل النكاح الذي باشره المولى وإن أجازه ولو عتقت جاز بإجازته ، ولهذا قيل إنها مهما زادت من المولى بعدا زادت قربا إليه في النكاح .

( قوله وبحث الكمال هنا غير صائب ) قال الكمال : الذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازة المولى بعد العتق بل بمجرد عتقها ينفذ النكاح ، لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ لأنه لو توقف فإما على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته وإما على العبد ولا وجه له لأنه صدر من جهته فكيف يتوقف ولأنه كان نافذا من جهته وإنما توقف على السيد فكذا السيد هنا فإنه ولي مجبر ، وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد فهذا هو الوجه ، وكثيرا ما يقلد الساهون الساهين . ورده في البحر بأنه سوء أدب وغلط . أما الأول فلأن المسألة صرح بها الإمام محمد في الجامع الكبير فكيف ينسب السهو إليه وإلى مقلديه ، وأما الثاني فلأن محمدا رحمه الله علل لتوقفه على إجازة المولى بأنه تجدد له ولاية لم تكن وقت العقد وهي الولاء بالعتق ، ولذا لم يكن له الإجازة إذا كان لها ولي أقرب منه كالأخ والعم ، فصار كالشريك إلى آخر ما قدمناه عن شرح التلخيص قال : وكثيرا ما يعترض المخطئ على المصيبين ا هـ ومثله في النهر والشرنبلالية وشرح الباقاني .

مطلب على أن الكمال بن الهمام بلغ رتبة الاجتهاد

وأجاب العلامة المقدسي بأن ما بحثه الكمال هو القياس كما صرح به الإمام الحصيري في شرح الجامع الكبير ، وإذا كان هو القياس لا يقال في شأنه أنه غلط وسوء أدب على أن الشخص الذي بلغ رتبة الاجتهاد إذا قال مقتضى النظر كذا الشيء هو القياس لا يرد عليه بأن هذا منقول لأنه إنما تبع الدليل المقبول وإن كان البحث لا يقضي على المذهب . ا هـ . والذي ينفي عنه سوء الأدب في حق الإمام محمد أنه ظن أن الفرع من تفريعات المشايخ بدليل أنه قال في صدر المسألة : وعن هذا استطرفت مسألة نقلت من المحيط ، هي أن المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة إلى أن قال [ ص: 174 ] هكذا تواردها الشارحون ، فهذا يدل على أنه ظن أنها غير منصوص عليها فالأنسب حسن الظن بهذا الإمام .




الخدمات العلمية