الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          حد الحر والحرة المحصنين 2208 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : قالت طائفة : الحر والحرة إذا زنيا - وهما محصنان - فإنهما يرجمان حتى يموتا .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : يجلدان ثم يرجمان حتى يموتا .

                                                                                                                                                                                          فأما الأزارقة - فليس من فرق الإسلام ، لأنهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإنهم قالوا : لا رجم أصلا وإنما هو الجلد فقط .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 174 ] فأما من روي عنه الرجم فقط دون جلد : فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع ني يحيى بن أبي كثير السقا عن الزهري أن أبا بكر رضي الله عنه وعمر : رجما ولم يجلدا .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى وكيع نا العمري - هو عبد الله بن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال : إن عمر رجم ولم يجلد .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى وكيع نا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال : يرجم ولا يجلد .

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان ينكر الجلد مع الرجم وبه - يقول الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وأما من روي عنه الرجم والجلد معا : فكما نا أبو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي : أن علي بن أبي طالب جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، فقال : أجلدها بكتاب الله ، وأرجمها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنا عبد الواحد بن زياد أنا حفص بن غياث عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي طالب دعا بشراحة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، فقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن مرة عن علي بن أبي طالب أنه قال : أجلدها بالكتاب ، وأرجمها بالسنة .

                                                                                                                                                                                          وعن الشعبي عن أبي بن كعب أنه قال : في الثيب تزني أجلدها ثم أرجمها . [ ص: 175 ]

                                                                                                                                                                                          وبه - يقول الحسن البصري : كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي أنا الدبري أنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال : { أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة } ، وكان الحسن يفتي به .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول الحسن بن حي ، وابن راهويه ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا .

                                                                                                                                                                                          هاهنا قول ثالث : أن الثيب إن كان شيخا جلد ورجم ، فإن كان شابا رجم ولم يجلد - كما روي عن أبي ذر قال : الشيخان يجلدان ويرجمان ، والثيبان يرجمان ، والبكران يجلدان وينفيان .

                                                                                                                                                                                          وعن أبي بن كعب قال : يجلدون ، ويرجمون ولا يجلدون ، ويجلدون ولا يرجمون - وفسره قتادة ، قال : الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى ، والشاب المحصن يرجم إذا زنى ، والشاب إذا لم يحصن جلد .

                                                                                                                                                                                          وعن مسروق قال : البكران يجلدان وينفيان ، والثيبان يرجمان ولا يجلدان ، والشيخان يجلدان ويرجمان ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وهذه أقوال كما ترى : فأما قول من لم ير الرجم أصلا فقول مرغوب عنه ، لأنه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان نزل به قرآن ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه : حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : قال لي أبي بن كعب : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قلت : إما ثلاثا وسبعين آية ، أو أربعا وسبعين آية ، قال : إن كانت لتقارن سورة البقرة ، أو لهي أطول منها ، وإن كان فيها لآية الرجم ؟ قلت : أبا المنذر وما آية الرجم ؟ قال : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ؟ " قال علي : هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه .

                                                                                                                                                                                          وحدثنا أيضا [ ص: 176 ] عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا معاوية بن صالح الأشعري نا منصور - هو ابن أبي مزاحم - نا أبو حفص - هو عمر بن عبد الرحمن - عن منصور - هو ابن المعتمر - عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : قال لي أبي بن كعب : كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قلت : ثلاثا وسبعين ، فقال أبي : إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ، وفيها آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " ؟

                                                                                                                                                                                          فهذا سفيان الثوري ، ومنصور : شهدا على عاصم وما كذبا ، فهما الثقتان ، الإمامان ، البدران - وما كذب عاصم على زر ، ولا كذب زر على أبي ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ولكنها نسخ لفظها وبقي حكمها ، ولو لم ينسخ لفظها لأقرأها أبي بن كعب زرا بلا شك ، ولكنه أخبره بأنها كانت تعدل سورة البقرة ، ولم يقل له : إنها تعدل الآن - فصح نسخ لفظها .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد روي هذا من طرق ، منها : ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت ، قال : قال لي زيد بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة قال عمر : لما نزلت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أكتبنيها ؟ } قال شعبة : كأنه كره ذلك ؟ فقال عمر : ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد ، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال علي رحمه الله : وهذا إسناد جيد .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد توهم قوم أن سقوط آية الرجم إنما كان لغير هذا ، ظنوا أنها تلفت بغير نسخ - واحتجوا بما - : ناه أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت [ ص: 177 ] نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا يحيى بن خلف نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، قال عبد الله عن عمرة بنت عبد الرحمن ، وقال عبد الرحمن عن أبيه ، ثم اتفق القاسم بن محمد ، وعمرة ، كلاهما عن عائشة أم المؤمنين قالت : لقد نزلت آية الرجم والرضاعة ، فكانتا في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها ؟ قال أبو محمد : وهذا حديث صحيح وليس هو على ما ظنوا ، لأن آية الرجم إذ نزلت حفظت ، وعرفت ، وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكتبها نساخ القرآن في المصحف ، ولا أثبتوا لفظها في القرآن ، وقد سأل عمر بن الخطاب ذلك - كما أوردنا - فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك .

                                                                                                                                                                                          فصح نسخ لفظها وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة رضي الله عنها - فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها .

                                                                                                                                                                                          وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه - عليه الصلاة والسلام - قد بلغ كما أمر ، قال الله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } وقال تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته - عليه السلام - كل ما بلغ فقط من القرآن ، وإن كان عليه السلام لم يبلغ ، أو بلغه فأنسيه هو والناس ، أو لم [ ص: 178 ] ينسوه ، لكن لم يأمر - عليه السلام - أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بيقين من عند الله تعالى ، لا يحل أن يضاف إلى القرآن .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : وقد روى الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة : كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري نا بشر بن عمر الزهراني ني مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس { أن عمر بن الخطاب قال : إن الله بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى فيترك فريضة أنزلها الله ، وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف } .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور المكي نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : { سمعت عمر يقول : قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ؟ فيضل بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن ، وكانت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ، وقد قرأناها الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا سليمان بن الأشعث نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة } .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق مسلم نا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد نا أبي عن جدي نا عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه { أتى رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد فناداه : يا رسول الله ، إني زنيت - فذكر الحديث ، وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له [ ص: 179 ] فهل أحصنت ؟ قال : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية