الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ؛ " الملأ " : أشراف القوم؛ ووجوههم؛ ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز صلعا؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أولئك الملأ من قريش ؛ لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك " ؛ و " الملأ " ؛ في اللغة: الخلق؛ يقال: " أحسنوا ملأكم " ؛ أي: أخلاقكم؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        تنادوا يا آل بهثة إذ رأونا ... فقلنا أحسني ملأ جهينا



                                                                                                                                                                                                                                        أي: خلقا؛ ويقال: " أحسني ممالأة " ؛ أي: معاونة؛ ويقال: " رجل مليء " - " مهموز " -؛ أي: بين الملاء يا هذا؛ وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد؛ ف " الملأ " : الرؤساء؛ إنما سموا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم؛ و " الملأ " ؛ الذي [ ص: 326 ] في الخلق؛ إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه؛ و " الملا " : المتسع من الأرض؛ غير مهموز؛ يكتب بالألف؛ والياء؛ في قول قوم؛ وأما البصريون فيكتبون بالألف؛ قال الشاعر - في الملا؛ المقصور؛ الذي يدل على المتسع من الأرض:


                                                                                                                                                                                                                                        ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا ...     فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا



                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ؛ الجزم في " نقاتل في سبيل الله " ؛ الوجه على الجواب للمسألة التي في لفظ الأمر؛ أي: " ابعث لنا ملكا نقاتل " ؛ أي: " إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " ؛ ومن قرأ: " ملكا يقاتل " ؛ بالياء؛ فهو على صفة الملك؛ ولكن " نقاتل " ؛ هو الوجه الذي عليه القراء؛ والرفع فيه بعيد؛ يجوز على معنى " فإنا نقاتل في سبيل الله " ؛ وكثير من النحويين لا يجيز الرفع في " نقاتل " .

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؛ أي: لعلكم أن تجبنوا عن القتال؛ وقرأ بعضهم: " هل عسيتم - بكسر السين - إن كتب عليكم القتال " ؛ وهي قراءة نافع ؛ وأهل اللغة كلهم يقولون: " عسيت أن أفعل " ؛ ويختارونه؛ وموضع " ألا تقاتلوا " : نصب؛ أعني موضع " أن " ؛ لأن " أن " ؛ وما عملت فيه؛ كالمصدر؛ إذا قلت: " عسيت أن أفعل ذاك " ؛ فكأنك قلت: " عسيت فعل ذلك " . وقوله - عز وجل -: قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ؛ [ ص: 327 ] زعم أبو الحسن الأخفش أن " أن " ؛ ههنا؛ زائدة؛ قال: المعنى: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله؛ وقال غيره: " وما لنا في ألا نقاتل في سبيل الله " ؛ وأسقط " في " ؛ وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن " ؛ لأن " ما " ؛ معناه: " ما يمنعنا؟ " ؛ فلذلك دخلت " أن " ؛ لأن الكلام: ما لك تفعل كذا وكذا؛ والقول الصحيح عندي أن " أن " ؛ لا تلغى ههنا؛ وأن المعنى: وأي شيء لنا في ألا نقاتل في سبيل الله؟ " ؛ أي: " أي شيء لنا في ترك القتال؟ " ؛ وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ؛ ومعنى " وأبنائنا " : أي: سبيت ذرارينا؛ ولكن " في " ؛ سقطت مع " أن " ؛ لأن الفعل مستعمل مع " أن " ؛ دالا على وقت معلوم؛ فيجوز مع " أن " ؛ حذف حرف الجر؛ كما تقول: " هربت أن أقول ك كذا وكذا " ؛ تريد: " هربت أن أقول لك كذا وكذا " .

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - تولوا إلا قليلا منهم ؛ " قليلا " ؛ منصوب على الاستثناء؛ فأما من روى: " تولوا إلا قليل منهم " ؛ فلا أعرف هذه القراءة؛ ولا لها عندي وجه؛ لأن المصحف على النصب؛ والنحو يوجبها؛ لأن الاستثناء إذا كان أول الكلام إيجابا؛ نحو قولك: " جاءني القوم إلا زيدا " ؛ فليس في " زيد " ؛ المستثنى؛ إلا النصب؛ والمعنى: " تولوا؛ أستثني قليلا منهم " ؛ وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى: " فشربوا منه إلا قليل منهم " ؛ وهذا عندي ما لا وجه له.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية