الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          لا تأخذه سنة ولا نوم السنة: النعاس ; وهو فتور يتقدم النوم قال ابن الرقاع :


                          وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم



                          والنوم معروف لكل أحد وإن اختلف تعريفه من جهة بيان سببه . قال البيضاوي :

                          " والنوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا " وهو قول الأطباء المتقدمين . وللمتأخرين أقوال أخرى مختلفة سنشير إلى بعضها . قيل : كان الظاهر أن ينفي النوم أولا والسنة بعده على طريق الترقي . وأجيب بأن ما في النظم جاء على حسب الترتيب الطبيعي في الوجود ، فنفى ما يعرض أولا ثم ما يتبعه . وقد قال : لا تأخذه دون " لا تعرض له أو لا تطرأ عليه " مراعاة للواقع في الوجود فإن السنة والنوم يأخذان الحيوان عن نفسه أخذا ، ويستوليان عليه استيلاء .

                          [ ص: 26 ] وقال الأستاذ الإمام : إن ما ذكر في النظم الكريم ترق في نفي هذا النقص ، ومن قال بعدم الترقي فقد غفل عن معنى الأخذ وهو الغلب والاستيلاء ، ومن لا تغلبه السنة قد يغلبه النوم لأنه أقوى ، فذكر النوم بعد السنة ترق من نفي الأضعف إلى نفي الأقوى . والجملة تأكيد لما قبلها مقررة لمعنى الحياة والقيومية على أكمل وجه ; فإن من تأخذه السنة والنوم يكون ضعيف الحياة وضعيف القيام بنفسه أو على غيره .

                          أقول : ويظهر هذا على رأي المتأخرين في سبب النوم أكمل الظهور وإن كان بديهيا في نفسه ، فإنهم يقولون : إن النوم عبارة عن بطلان عمل المخ بسبب ما تولده الحركة من السموم الغازية المؤثرة في العصب ، وقيل : بسبب ما تفرزه الحويصلات العصبية من الماء الكثير بالفعل الكيماوي وقت العمل ، فكثرة هذا الماء تضعف قابلية التأثر فيها فتحدث فيها الفتور فيكون النوم ، ويستمر إلى أن يتبخر ذلك الماء ، وعند ذلك تتنبه الأعصاب ويرجع إليها تأثرها وإدراكها ، فسبب النوم أمر جسماني محض ، والله - تعالى - منزه عن صفات الأجسام وعوارضها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية