الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يجوز لبسه في حال الاختيار وما لا يجوز

                                                                                                                                                                        ويحرم على الرجل والخنثى لبس الحرير والديباج ، ويجوز للنساء . وفي تحريمه على الخنثى احتمال . والقز كالحرير ، على المذهب . ونقل الإمام الاتفاق عليه . وحكي في إباحته وجهان . وفي المركب من الحرير وغيره طريقان . المذهب والذي قطع به الجمهور : أنه إن كان الحرير أكثر وزنا ، حرم ، وإن كان غيره أكثر ، لم يحرم ، وإن استويا ، لم يحرم على الأصح . والطريق الثاني قاله القفال : إن ظهر الحرير ، حرم وإن قل وزنه ، وإن استتر ، لم يحرم وإن كثر وزنه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يجوز لبس المطرف والمطرز بالديباج ، بشرط الاقتصار على عادة التطريف ، فإن جاوزها ، حرم ، ويشرط أن لا يجاوز الطراز قدر أربع أصابع ، فإن جاوز ، حرم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 67 ] والترقيع بالديباج ، كالتطريز . ولو خاط ثوبا بإبريسم ، جاز لبسه ، بخلاف الدرع المنسوجة بقليل الذهب ، فإنه حرام لكثرة الخيلاء فيه . ولو حشا القباء أو الجبة بالحرير ، جاز على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور . ولو كانت بطانة الجبة حريرا ، حرم لبسها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس ، بل افتراشه ، والتدثر به ، واتخاذه سترا ، وسائر وجوه الاستعمال ، حرام . وفي وجه شاذ : يجوز للرجال الجلوس على الحرير ، وهو منكر وغلط ، ويحرم على النساء افتراش الحرير على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح ، جواز افتراشهن ، وبه قطع العراقيون ، والمتولي ، وغيره . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وهل للولي إلباس الصبي الحرير ؟ فيه أوجه . أصحها : يجوز قبل سبع سنين ، ويحرم بعدها ، وبه قطع البغوي . والثاني : يجوز مطلقا . والثالث : يحرم مطلقا .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح الجواز مطلقا ، كذا صححه المحققون ، منهم الرافعي في ( المحرر ) وقطع به الفوراني . قال صاحب ( البيان ) : هو المشهور . ونص الشافعي والأصحاب : على تزيين الصبيان يوم العيد بحلي الذهب ، والمصبغ ، ويلحق به الحرير . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 68 ] فرع

                                                                                                                                                                        يجوز لبس الحرير في موضع الضرورة - كما قلنا - إذا فاجأته الحرب ، أو احتاج لحر ، أو برد ، ويجوز للحاجة كالجرب . وفيه وجه : أنه لا يجوز ، وهو منكر . ويجوز لدفع القمل في السفر ، وكذا في الحضر على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : يجوز لبس الكتان ، والقطن ، والصوف ، والخز ، وإن كانت نفيسة غالية الأثمان ، لأن نفاستها بالصنعة . قال صاحب ( البيان ) : يحرم على الرجل لبس الثوب المزعفر . ونقل البيهقي وغيره عن الشافعي - رحمه الله - : أنه نهى الرجل عن المزعفر ، وأباح له المعصفر . قال البيهقي : والصواب إثبات نهي الرجل عن المعصفر أيضا ، للأحاديث الصحيحة فيه . قال : وبه قال الحليمي . قال : ولو بلغت أحاديثه الشافعي ، لقال بها ، وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح . قال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي - رحمه الله - : يحرم تنجيد البيوت بالثياب المصورة وبغير المصورة ، سواء فيه الحرير وغيره ، والصواب في غير الحرير والمصور الكراهة دون التحريم . قال صاحب ( التهذيب ) : ولو بسط فوق الديباج ثوب قطن وجلس عليه ، أو جلس على جبة محشوة بالحرير ، جاز ، ولو حشا المخدة بإبريسم ، جاز استعمالها على الصحيح ، كما قلنا في الجبة .

                                                                                                                                                                        قال إمام الحرمين : وظاهر كلام الأئمة أن من لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن ، وفي وسطه حرير منسوج ، جاز . قال : وفيه نظر . ويكره أن يمشي في نعل واحدة ، أو خف واحد ، ويكره [ ص: 69 ] أن يتنعل قائما . والمستحب في لبس النعل وشبهه ، أن يبدأ باليمين ، ويبدأ بخلع اليسار ، ولا يكره لبس خاتم الرصاص والحديد والنحاس على الصحيح ، وبه قطع في ( التتمة ) . ويجوز لبس خاتم الفضة للرجل في يمينه ، وفي يساره ، كلاهما سنة ، لكن اليمين أفضل على الصحيح المختار . ويجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر وغيرهما من المصبوغات بلا كراهة ، إلا ما ذكرنا في المزعفر والمعصفر للرجال . قال صاحب ( التتمة ) و ( البحر ) : يكره لبس الثياب الخشنة لغير غرض شرعي ، ويحرم إطالة الثوب عن الكعبين للخيلاء ، ويكره لغير الخيلاء ، ولا فرق في ذلك بين حال الصلاة وغيرها ، والسراويل والإزار في حكم الثوب . وله لبس العمامة بعذبة وبغيرها ، وحكم إطالة عذبتها حكم إطالة الثوب . فقد روينا في ( سنن أبي داود ) والنسائي وغيرهما بإسناد حسن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه ( يوم القيامة ) " . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية