الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4709 ] ذهب - عليه السلام - إلى النار؛ فلم يجد الهداية إلى الطريق الحسي؛ ولا الخبر الذي يتعلق بعيشه في هذه الأرض؛ بل وجد الطريق إلى الهداية والحق؛ وجد ربه: فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ؛ أي: فلما أتى النار؛ نودي؛ والنداء كان: يا موسى وكان النداء بـ "يا "؛ التي تكون نداء للبعيد؛ البعد بين صاحب النداء - جل جلاله -؛ وعبد من عباده؛ هو موسى - عليه السلام -؛ وقد شرفه الله (تعالى) بهذا النداء الكريم من رب البرية؛ وشرفه بأن ذكر اسمه وفيه من المحبة؛ إذ هو نداء الله الرحمن الرحيم إلى حبيب من أصفيائه المخلصين؛ إني أنا ربك قرئ بفتح الهمزة؛ في "إني "؛ وقرئ بالكسر ؛ ويكون بالفتح تفسيرا للنداء؛ أي: النداء: أنا ربك؛ وعلى قراءة الكسر يكون النداء متضمنا معنى القول؛ و "إن "؛ تكسر بعد القول.

                                                          وقد أكد ضمير المتكلم - وهو ياء المتكلم - بتأكيدين؛ أولهما "إن "؛ المؤكدة؛ وثانيهما الضمير الظاهر: "أنا "؛ المؤكد لياء المتكلم؛ وكان التأكيد لغرابة المؤكد في ذاته؛ ولغرابته على موسى - عليه السلام -؛ أما الغرابة في ذاتها؛ فهو أنه من أغرب الغرائب أن يكلم الله أحدا من عباده؛ فقد يوحي إليه؛ أما أن يكلمه؛ فذلك أمر غريب؛ لم يكن به عهد؛ حتى عند الأنبياء؛ وأما الغرابة بالنسبة لموسى؛ فهو أنه خرج من مصر هاربا من مظالم فرعون وقهره؛ وفرضه على الناس عبادته؛ حتى يقول لهم: ما علمت لكم من إله غيري ؛ وقد خرج محتاجا؛ يقول: رب إني لما أنـزلت إلي من خير فقير ؛ ثم مأجورا يزرع؛ ويرعى الغنم؛ ولكنه يفاجأ بأن يخاطبه ربه من وراء حجاب؛ ولذا كان التأكيد في موضعه؛ ليأنس بربه؛ وتذهب عنه وحشة الاغتراب؛ و "ربك "؛ معناه: الذي خلقك؛ و "ربك "؛ وأقامك؛ وقام على رعايتك؛ والعناية بك؛ فاخلع نعليك الفاء فاء الإفصاح؛ وهي تفصح عن شرط مقدر؛ أو هي تفيد أن ما بعدها مترتب على ما قبلها؛ فإنه يترتب على أنه في الحضرة [ ص: 4710 ] القدسية؛ أن يكون الأمر بخلع نعليه؛ وذلك الخلع للخشوع؛ والخضوع؛ إذ هو في الحضرة الربانية؛ وهو بواد مقدس طاهر؛ وإن الناس إذا كانوا في حضرة ملوك الأرض خلعوا نعالهم؛ فكيف إذا كان موسى في حضرة ذي الجلال والإكرام؛ والفضل والإنعام؛ وإن في هذا الفعل الحسي إشعارا للنفس بأن تتفرغ لله (تعالى)؛ وأن يكون الله وحده هو شاغلها؛ فلا يشغلها شيء سواه؛ وقال (تعالى): إنك بالواد المقدس المطهر من الأرجاس الحسية؛ والمعنوية؛ وهو "طوى "؛ وهو اسم لواد في هذه الأرض المقدسة؛ وحسبه شرفا أنه قد تجلى الحق فيه؛ وكلم موسى تكليما.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية