الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 102 ] وعن عمر قال : العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة . رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس مثله .

                                                                                                                                            . وقال الزهري { : مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا } ، رواه عنه مالك في الموطإ ، وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذكورة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أثر عمر أخرجه أيضا البيهقي ، قال الحافظ : وهو منقطع ، وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف . قال البيهقي : والمحفوظ أنه عن عامر والشعبي من قوله .

                                                                                                                                            وأثر ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي ، ولفظه : " لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك " وقول الزهري روى معناه البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند الدارقطني والطبراني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال { لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا } وفي إسناده محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب وفيه أيضا الحارث بن نبهان وهو منكر الحديث ، وقد تمسك بما في الباب من قال : إن العاقلة لا تعقل العمد ولا العبد ولا الصلح ولا الاعتراف . وقد اختلف في المجني عليه إذا كان عبدا ، فذهب الحكم وحماد والعترة وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه إلى أن العاقلة تحمل العبد كالحر

                                                                                                                                            وذهب مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنها لا تحمله . وقد أجيب عن قول عمر مع كونه مما لا يحتج به لكون أقوال الصحابة لا تكون حجة إلا إذا أجمعوا أن المراد أن العاقلة لا تعقل الجناية الواقعة من العبد على غيره كما يدل على ذلك قول ابن عباس الذي ذكرناه بلفظ : " ولا ما جنى المملوك " . والحاصل أنه لم يكن في الباب ما ينبغي إثبات الأحكام الشرعية بمثله ، فالمتوجه الرجوع إلى الأحاديث القاضية بضمان العاقلة مطلقا الجناية الخطأ ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان عمدا وظاهره عدم الفرق بين كون الجناية الواقعة على جهة العمد من الرجل على غيره أو على نفسه ، وإليه ذهبت العترة والحنفية والشافعية ، وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن جناية العمد على نفس الجاني مضمونة على عاقلته

                                                                                                                                            واعلم أنه قد وقع الإجماع على أن دية الخطإ مؤجلة على العاقلة . ولكن اختلفوا في مقدار الأجل ، فذهب الأكثر إلى أن الأجل ثلاث سنين . وقال ربيعة : إلى خمس ، وحكي في البحر عن بعض الناس بعد حكايته للإجماع السابق أنه تكون حالة إذ لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم تأجيلها . قال في البحر : قلنا روي عن علي رضي الله عنه أنه قضى بالدية على العاقلة [ ص: 103 ] في ثلاث سنين ، وقاله عمر وابن عباس ولم ينكر انتهى . قال الشافعي في المختصر : لا أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين . قال الرافعي : تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك فمنهم من قال : ورد ونسبه إلى رواية علي عليه السلام ، ومنهم من قال : ورد أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة

                                                                                                                                            وأما التأجيل فلم يرد به الخبر وأخذ ذلك من إجماع الصحابة . وقال ابن المنذر : ما ذكره الشافعي لا نعرفه أصلا من كتاب ولا سنة ، وقد سئل عن ذلك أحمد بن حنبل فقال : لا نعرف فيه شيئا ، فقيل : إن أبا عبد الله يعني الشافعي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لعله سمعه من ذلك المدني فإنه كان حسن الظن به ، يعني إبراهيم بن أبي يحيى . وتعقبه ابن الرفعة بأن من عرف حجة على من لم يعرف . وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين . وقد وافق الشافعي على نقل الإجماع الترمذي في جامعه وابن المنذر ، فحكى كل واحد منهما الإجماع . وقد روى التأجيل ثلاث سنين ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر وهو منقطع لأنه من رواية الشعبي عنه ورواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن أبي وائل قال : " إن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين ، وجعل نصف الدية في سنتين ، وما دون النصف في سنة ، " وروى البيهقي التأجيل المذكور عن أمير المؤمنين علي رضوان الله تعالى عليه وهو منقطع وفي إسناده ابن لهيعة . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية