الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

                                                                                                          124 حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير وقال محمود في حديثه إن الصعيد الطيب وضوء المسلم قال وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين قال أبو عيسى وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه قال وهذا حديث حسن صحيح وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال يتيمم إذا لم يجد الماء وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نا سفيان ) هو الثوري ( عن خالد الحذاء ) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة ، وخالد هذا هو ابن مهران أبو المنازل البصري ثقة من رجال الستة ، وقيل له : الحذاء لأنه كان يجلس عندهم وقيل : لأنه كان يقول : احذ على هذا النحو .

                                                                                                          ( عن أبي قلابة ) بكسر القاف اسمه عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة أربع ومائة وقيل سنة ست وقيل سنة سبع .

                                                                                                          ( عن عمرو بن بجدان ) بضم الموحدة وسكون الجيم العامري البصري تفرد عنه أبو قلابة لا يعرف حاله ، قاله الحافظ في التقريب ، وقال الخزرجي في الخلاصة : وثقه ابن حبان ووثقه العجلي أيضا كما ستقف .

                                                                                                          قوله : ( إن الصعيد الطيب ) أي الطاهر المطهر . قال في القاموس : الصعيد التراب أو وجه الأرض ( طهور المسلم ) وفي رواية أبي داود وضوء المسلم ( وإن لم يجد الماء عشر سنين ) كلمة " إن " للوصل ، والمراد من " عشر سنين " الكثرة لا المدة المقدرة ، قال القاري : وفيه دلالة على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء كما هو مذهبنا - يعني الحنفية - قال : وما صح عن ابن عمر أنه يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث محمول على الاستحباب . انتهى ، قلت : الأمر كما قال القاري .

                                                                                                          ( فإذا وجد الماء فليمسه ) بضم الياء وكسر الميم من الإمساس .

                                                                                                          ( بشرته ) بفتحتين ظاهر الجلد أي [ ص: 329 ] فليوصل الماء إلى بشرته وجلده ( فإن ذلك ) أي الإمساس ( خير ) أي من الخيور ، وليس معناه أن كليهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير ، بل المراد أن الوضوء واجب عند وجود الماء ، ونظيره قوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا مع أنه لا خير ولا أحسنية لمستقر أهل النار .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره فإن ذلك خير قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                          وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله؟ قال : نعم . قال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وفيه ضعف ولا يتعمد الكذب .

                                                                                                          وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل ، فقال : ما منعك أن تصلي؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه ) رواه أبو داود في سننه من طريق موسى بن إسماعيل نا حماد عن أيوب إلخ قال المنذري في تلخيصه : وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله ، سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة ، وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وهذا حديث حسن ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وقال الشوكاني في النيل [ ص: 330 ] : ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم ، وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي ، قال الحافظ : وغفل ابن القطان فقال إنه مجهول . انتهى ما في النيل ، قلت : وقد غفل الحافظ أيضا فإنه قال في التقريب : لا يعرف حاله .

                                                                                                          تنبيه : قد اختلفت نسخ الترمذي هاهنا فوقع في النسخ الموجودة عندنا هذا حديث حسن وقال المنذري في تلخيص السنن : قال الترمذي حديث حسن صحيح . انتهى ، وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث : رواه أحمد والترمذي وصححه . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجد الماء ) أي كل واحد منهما ، وفي نسخة قلمية عتيقة : إذا لم يجدا الماء ، بصيغة التثنية وهو الظاهر .

                                                                                                          ( تيمما وصليا إلخ ) قال الشوكاني في النيل : وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود ، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب ، وقيل : إن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك ، وقد جاء بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة ، وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال لا يلزمه ، وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله ، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية