الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

وقد يحكم على الشيء مقيدا بصفة ، ثم قد يكون ما سكت عنه بخلافه ، وقد يكون مثله .

فمن الأول ; قوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم ( الطلاق : 2 ) ، وقوله : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ( الحجرات : 6 ) ، وقوله : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ( النساء : 23 ) فاشترط أولاد الصلب تنبيها على إباحة حلائل أولاد الرضاع ، وليس في ذكر الحلائل إباحة من وطئه الأبناء من الإماء بملك اليمين . وهذه الآية مما اجتمع فيه النوعان ، أعني المخالفة والمماثلة .

وكذلك قوله : لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ( الأحزاب : 55 ) الآية ، فيه وقوع الجناح في إبداء الزينة لمن عدا المذكورين من الأجانب ، ولم يكن فيه في إبدائها لقرابة الرضاع .

[ ص: 146 ] ومن الثاني قوله تعالى في الصيد : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ( المائدة : 95 ) ، فإن القتل إتلاف والإتلاف يستوي عمده وخطؤه ; فيستدل به على أن التعمد ليس بشرط .

فإن قيل : فما فائدة التقييد في هذا القسم إذا كان المسكوت عنه مثله ، وهلا حذفت الصفة واقتصر على قوله : ومن قتله منكم ( المائدة : 95 ) ؟

قلنا : لتخصيص الشيء بالذكر فوائد : منها اختصاصه في جنسه بشيء لا يشركه فيه غيره من جملة الجنس ; كما في هذه الآية أعني قوله : ومن قتله منكم متعمدا .

إلى قوله : فينتقم الله منه ( المائدة : 95 ) إن المتعمد إنما خص بالذكر لما عطف عليه في آخر الآية من الانتقام الذي لا يقع إلا في العمد دون الخطأ .

ومنها ; ما يخص بالذكر تعظيما له على سائر ما هو من جنسه ، كقوله تعالى : منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( التوبة : 36 ) فخص النهي عن الظلم فيهن ، وإن كان الظلم منهيا عنه في جميع الأوقات تفضيلا لهذه الأشهر وتعظيما للوزر فيها . وقوله : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ( البقرة : 197 ) .

ومنها ; أن يكون ذلك الوصف هو الغالب عليه ; كقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم ( النساء : 23 ) الآية ; فإن الغالب من حال الربيبة أنها تكون في حجر أمها ، ونحو : ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( النور : 58 ) إلى قوله : ثلاث مرات الآية ، خص هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان ; لأن الغالب تبذل البدن فيهن ، وإن كان في غير هذه الأوقات ما يوجب الاستئذان فيجب . وكذلك قوله : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ( البقرة : 229 ) فالافتداء يجوز مع الأمن ، وقوله : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ( النساء : 101 ) ، وقوله : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ( البقرة : 282 ) ، وقوله : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة : 283 ) فجرى التقييد بالسفر ; لأن الكاتب إنما يعدم غالبا فيه ; ولا يدل على منع الرهن إلا في السفر ، كما صار إليه مجاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية