الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن كان الإمام قد ركع ونسي تسبيح الركوع فرجع إلى الركوع ليسبح فأدركه المأموم في هذا الركوع فقد قال أبو علي الطبري : يحتمل أن يكون مدركا للركعة كما لو قام إلى خامسة فأدركه مأموم فيها .

                                      والمنصوص في الأم أنه لا يكون [ ص: 114 ] مدركا ; لأن ذلك غير محسوب للإمام ، ويخالف الخامسة ; لأن هناك قد أتى بها المأموم وههنا لم يأت بما فاته مع الإمام ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - : إذا نسي الإمام تسبيح الركوع فاعتدل ثم تذكره لم يجز له أن يعود إلى الركوع ليسبح ; لأن التسبيح سنة فلا يجوز أن يرجع من الاعتدال الواجب إليه فإن عاد إليه عالما بتحريمه بطلت صلاته ، ولا يصح اقتداء أحد به ، وإن عاد إليه جاهلا بتحريمه لم تبطل صلاته ; لأنه معذور ، ولكن هذا الرجوع لغو غير محسوب من صلاته ، فإن اقتدى به مسبوق ، والحالة هذه ، وهو في الركوع الذي هو لغو والمسبوق جاهل بالحال صح اقتداؤه ، وهل تحسب له هذه الركعة بإدراك هذا الركوع ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) باتفاق الأصحاب ، وهو المنصوص في الأم : أنها لا تحسب ; لأن الركوع لغو في حق الإمام ، وكذا في حق المأموم ، ولأن الإمام ليس في الركوع ، وإنما هو في الاعتدال حكما والمدرك في الاعتدال لا تحسب له الركعة ( والثاني ) : تحسب .

                                      واحتجوا له بالقياس على من أدرك الإمام في خامسة قام إليها جاهلا وأدرك معه القيام ، وقرأ الفاتحة ، فإن هذه الركعة تحسب للمسبوق ، وإن كانت غير محسوبة للإمام ، وهذا الوجه غلط وقياسه على الخامسة باطل ; لأنه ليس نظير مسألتنا ; لأنه في الخامسة أدركها بكمالها ، ولم يحمل الإمام عنه شيئا وفي مسألتنا لم يدرك القيام والقراءة ، ولا الركوع المحسوب للإمام ، فلا يصح القياس ، وإنما نظيره أن يدركه في ركوع الخامسة وحينئذ لا يحسب له الركعة على المذهب الصحيح ، وبه قطع الجمهور في الطريقتين ، وحكى إمام الحرمين عن الشيخ أبي علي السنجي بكسر السين المهملة وإسكان النون وبالجيم وجها ضعيفا جدا أنه يكون مدركا للركعة ، وذكر وجها بعيدا مزيفا أنه إذا أدرك مع الإمام جميع الخامسة وهما جاهلان بأنها الخامسة وقرأ الفاتحة لا يكون مدركا للركعة ، ولكن صلاته منعقدة ، وهو خلاف المذهب بل الصواب المشهور أنه مدرك للركعة والحالة هذه ، ولو أدرك معه جميع ثالثة من الجمعة قام إليها ساهيا ، فإن قلنا في غير الجمعة لا تحسب له الركعة لم تحسب هنا ركعة من الجمعة ، ولا من الظهر .

                                      وإن قلنا : تحسب ، فهنا وجهان بناء على القولين فيما لو بان إمام الجمعة محدثا ، واختار ابن الحداد [ ص: 115 ] هنا أنه لا تحسب له الركعة ، أما إذا كان الإمام محدثا فحكم إدراك المسبوق له في ركوعه حكم إدراكه في ركوع الخامسة ، فالصحيح أنه لا تحسب له الركعة أما إذا كان الإمام متطهرا فأدركه مسبوق في الركوع فاقتدى به ثم أحدث الإمام في السجود فإن المسبوق يكون مدركا لتلك الركعة بلا خلاف ، لأنه أدرك ركوعا محسوبا للإمام . ذكره البغوي وغيره وهو ظاهر ، أما إذا قام الإمام إلى خامسة جاهلا فاقتدى به مسبوق عالما بأنها خامسة فالصحيح المشهور الذي قطع به الأصحاب في معظم الطرق : أنه لا تنعقد صلاته ; لأنه دخل في ركعة يعلم أنها لغو ، وحكى البغوي عن القفال أن صلاته تنعقد جماعة ; لأن الإمام في صلاة ، ولكن لا يتابعه في الأفعال ، بل بمجرد إحرامه يقعد ينتظر الإمام ; لأن التشهد محسوب للإمام ، قال البغوي : وعلى هذا لو نسي الإمام سجدة من الركعة الأولى فاقتدى به مسبوق في قيام الثانية مع علمه بحاله - ففي انعقادها هذا الخلاف ، الصحيح : لا تنعقد ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية