الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) والمعنى أنه تعالى لو ردهم لم يحصل منهم ترك التكذيب وفعل الإيمان ، بل كانوا يستمرون على طريقتهم الأولى في الكفر والتكذيب .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : إن أهل القيامة قد عرفوا الله بالضرورة ، وشاهدوا أنواع العقاب والعذاب فلو ردهم الله تعالى إلى الدنيا فمع هذه الأحوال كيف يمكن أن يقال : إنهم يعودون إلى الكفر بالله وإلى معصية الله .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قال القاضي : تقرير الآية : ( ولو ردوا ) إلى حالة التكليف ، وإنما يحصل الرد إلى هذه الحالة لو لم يحصل في القيامة معرفة الله بالضرورة ولم يحصل هناك مشاهدة الأهوال وعذاب جهنم ، فهذا الشرط يكون مضمرا لا محالة في الآية إلا أنا نقول هذا الجواب ضعيف ؛ لأن المقصود من الآية بيان غلوهم في الإصرار على الكفر وعدم الرغبة في الإيمان ، ولو قدرنا عدم معرفة الله تعالى في القيامة ، وعدم مشاهدة أهوال القيامة لم يكن في إصرار القوم على كفرهم الأول مزيد تعجب ، لأن إصرارهم على الكفر يجري مجرى إصرار سائر الكفار على الكفر في الدنيا ، فعلمنا أن الشرط الذي ذكره القاضي لا يمكن اعتباره البتة .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : قال الواحدي : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فساد قول المعتزلة ، وذلك لأن الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك ، وذلك القضاء السابق فيهم ، وإلا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد ، ثم قال تعالى : ( وإنهم لكاذبون ) وفيه سؤال وهو أن يقال : إنه لم يتقدم ذكر خبر حتى يصرف هذا التكذيب إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 161 ] والجواب : أنا بينا أن منهم من قال : الداخل في التمني هو مجرد قوله : ( ياليتنا نرد ) أما الباقي فهو إخبار ، ومنهم من قال : بل الكل داخل في التمني ، لأن إدخال التكذيب في التمني أيضا جائز ، لأن التمني يدل على الإخبار على سبيل الضمن والصيرورة ، كقول القائل ليت زيدا جاءنا فكنا نأكل ونشرب ونتحدث فكذا ههنا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية