الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ومن صلى منفردا ثم أدرك جماعة يصلون استحب له أن يصلي معهم ، وحكى أبو إسحاق عن بعض أصحابنا أنه قال : إن كان صبحا أو عصرا لم يستحب ; لأنه منهي عن الصلاة بعدهما ، والمذهب الأول ; لما روى يزيد بن الأسود العامري { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة في مسجد الخيف فرأى في آخر القوم رجلين لم يصليا معه فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : يا رسول الله ، قد صلينا في رحالنا ، قال : فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة } فإن صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى ففيه وجهان ( أحدهما ) : يعيد للخبر ( والثاني ) : لا يعيد ; لأنه قد حاز فضيلة الجماعة ، وإذا صلى ثم أعاد مع الجماعة فالفرض هو الأول في قوله الجديد للخبر ، ولأنه أسقط الفرض بالأولى فوجب أن تكون الثانية نفلا .

                                      وقال في القديم : يحتسب الله أيتهما شاء ، وليس بشيء ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث يزيد رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح وقوله ( صلاة الغداة ) دليل على أنه لا بأس بتسمية الصبح غداة ، وقد كثر ذلك من استعمال الصحابة في الصحيحين وغيرهما ، وقد أوضحت ذلك ، ونبهت عليه في مواضع من شرح صحيح مسلم ، وقد سبق في المهذب في باب مواقيت الصلاة بيان المسألة واضحا ، والرحال : المنازل من مدر أو وبر وشعر وغير ذلك .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإذا صلى الإنسان الفريضة منفردا ثم أدرك جماعة يصلونها في الوقت استحب له أن يعيدها معهم وفي وجه شاذ يعيد الظهر والعشاء فقط ولا يعيد الصبح والعصر ; لأن الثانية نافلة ، والنافلة بعدهما مكروهة ، ولا المغرب ; لأنه لو أعادها لصارت شفعا .

                                      هكذا عللوه ، وينبغي أن تعلل بأنها يفوت وقتها تفريعا على الجديد وهذا الوجه غلط ، وإن كان مشهورا عند الخراسانيين ، وحكي وجه ثالث : يعيد الظهر والعصر والمغرب ، وهو ضعيف أيضا أما إذا صلى جماعة ثم أدرك جماعة أخرى ففيه أربعة أوجه : ( الصحيح ) منها عند جماهير الأصحاب يستحب إعادتها للحديث [ ص: 121 ] المذكور ، والحديث السابق في المسألة قبلها { من يتصدق على هذا ؟ } وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة .

                                      ( والثاني ) : لا يستحب لحصول الجماعة .

                                      قالوا : فعلى هذا تكره إعادة الصبح والعصر ; لما ذكرناه .

                                      ولا يكره غيرهما ( والثالث ) : يستحب إعادة ما سوى الصبح والعصر ( والرابع ) : إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف استحب الإعادة وإلا فلا ، والمذهب استحباب الإعادة مطلقا ، وممن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد ، ونقل أنه ظاهر نصه في الجديد والقديم وصححه أيضا القاضي أبو الطيب والبندنيجي والماوردي والمحاملي وابن الصباغ والبغوي وخلائق كثيرون لا يحصون ، ونقله الرافعي عن الجمهور .

                                      وإذا استحببنا الإعادة لمن صلى منفردا أو في جماعة فأعاد ففي فرضه قولان ووجهان ( الصحيح ) من القولين وهو الجديد فرضه الأول لسقوط الخطاب بها ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " فإنها لكما نافلة " يعني الثانية ، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأئمة الذين يؤخرون الصلاة قال : { صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة } رواه مسلم من طرق ، والقول الثاني ، وهو القديم أن فرضه إحداها لا بعينها ، ويحتسب الله بما شاء منهما وعبر بعض أصحابنا عن هذا القول بأن الفرض أكملهما ، وأحد الوجهين كلاهما فرض ، حكاه الخراسانيون وهو مذهب الأوزاعي ، ووجهه أن كلا منهما مأمور بها والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية فرضا ، وهذا كما قال أصحابنا في صلاة الجنازة إذا صلتها طائفة سقط الحرج عن الباقين .

                                      فلو صلت طائفة أخرى وقعت الثانية فرضا أيضا ، وتكون الأولى مسقطة للحرج عن الباقين لا مانعة من وقوع فعلها فرضا .

                                      وهكذا الحكم في جميع فروض الكفايات ، وقد سبق بيان هذا في مقدمة هذا الشرح .

                                      ( والوجه الثاني ) : الفرض أكملهما ، وأما كيفية النية في المرة الثانية فإن قلنا بغير الجديد نوى بالثانية الفريضة أيضا وإن قلنا بالجديد فوجهان ( أصحهما ) عند الأصحاب ، وبه قال الأكثرون : ينوي بها الفرض أيضا ، [ ص: 122 ] قالوا : ولا يمتنع أن ينوي الفرض ، وإن كانت نفلا هكذا صححه الأكثرون ، ونقل الرافعي تصحيحه عن الأكثرين .

                                      ( والثاني ) ينوي الظهر أو العصر مثلا ، ولا يتعرض للفرض ، وهذا هو الذي اختاره إمام الحرمين ، وهو المختار الذي تقتضيه القواعد والأدلة ، فعلى هذا إن كانت الصلاة مغربا فوجهان حكاهما الخراسانيون ( الصحيح ) منهما أنه يعيدها كالمرة الأولى ( والثاني ) يستحب إذا سلم الإمام أن يقوم بلا سلام فيأتي بركعة أخرى ثم يسلم لتصير هذه الصلاة مع التي قبلها وترا .

                                      كما إذا صلى المغرب وترا ، وهذا الوجه غلط صريح ، ولولا خوف الاغترار به لما حكيته ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في ذلك قد ذكرنا أن الصحيح عند أصحابنا : استحباب إعادة جميع الصلوات في جماعة سواء صلى الأولى جماعة أم منفردا ، وهو قول سعيد بن المسيب وابن جبير والزهري ، ومثله عن علي بن أبي طالب ، وحذيفة وأنس رضي الله عنهم ، ولكنهم قالوا في المغرب : يضيف إليها أخرى ، وبه قال أحمد ، وعندنا لا يضيف ، وقال ابن مسعود ومالك والأوزاعي والثوري : يعيد الجميع إلا المغرب لئلا تصير شفعا ، وقال الحسن البصري : يعيد الجميع إلا الصبح والعصر ، وقال أبو حنيفة : يعيد الظهر والعشاء فقط ، وقال النخعي : يعيدها كلها إلا الصبح والمغرب ، وهذه المذاهب ضعيفة لمخالفتها الأحاديث ، ودليلنا عموم الأحاديث الصحيحة السابقة ، والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية