الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        26564 - وفي هذا الباب قال مالك : وبلغني أن عمر بن الخطاب قال ، في [ ص: 313 ] المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها ثم يراجعها ، فلا يبلغها رجعته ، وقد بلغها طلاقه إياها فتزوجت : إنه إن دخل بها زوجها الآخر ، أو لم يدخل بها ، فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها .

                                                                                                                        قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        26565 - قال أبو عمر : بلاغ مالك هذا على آحاد قوليه ; لأنه قد روي معنى قوله الثاني في هذا الخبر عن عمر ، نذكرها - إن شاء الله عز وجل - وقوله في موطئه : " وهذا أحب ما سمعت إلي " دليل على أنه سمع فيه الاختلاف عن عمر ، وقوله هذا في موطئه عند جميع الرواة .

                                                                                                                        26566 - وقد شهد يحيى موته ، وهو من آخر أصحابه عرضا للموطإ عليه .

                                                                                                                        26567 - وروى سحنون عن ابن القاسم في هذه المسألة ، وفي مسألة المفقود أن مالكا رجع قبل موته بعام ، فقال : الأول أحق بها ما لم يدخل بها الثاني .

                                                                                                                        26568 - وبه يقول ابن القاسم ، وأشهب .

                                                                                                                        26569 - وقال المدنيون من أصحابه بما في الموطإ في مسألة المرتجع ومسألة المفقود أنه إذا عقد الثاني ، فلا سبيل إلى الأول إليها دخل الثاني بها أو لم يدخل .

                                                                                                                        [ ص: 314 ] 26570 - وقول الشافعي ، والكوفيين في هذه المسألة كقولهم في مسألة المفقود .

                                                                                                                        26571 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني أبو معاوية ، عن الشيباني ، عن الشعبي ، قال : سئل عمر عن رجل غاب عن امرأته ، فبلغها أنه مات ، ثم جاء الزوج الأول ، فقال عمر : يخير الزوج بين الصداق وامرأته ، فإن اختار الصداق تركها مع الآخر ، وإن شاء اختار امرأته .

                                                                                                                        26572 - قال : وقال علي : لها الصداق من الآخر بما استحل من فرجها ، ويفرق بينه وبينها ، ثم تعتد ثلاث حياض ، ثم ترد على الأول .

                                                                                                                        26573 - وأما بلاغ مالك عن عمر في الذي طلق فأعلمها فارتجع ، ولم يعلمها حتى رجعت نكحت ، فهو غير مشهور عن عمر من رواية أهل الحجاز وأهل العراق .



                                                                                                                        26574 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن سعيد بن المسيب ، ومعمر ، عن منصور ، عن إبراهيم : أن أبا كنف طلق امرأته ، ثم خرج مسافرا ، وأشهد على رجعتها قبل انقضاء عدتها ، ولا أعلم لها بذلك حتى تزوجت ، فسأل عن ذلك على رجعتها قبل انقضاء العدة ، ولا علم لها بذلك حتى تزوجت ، فسأل عن ذلك عمر بن الخطاب فقال : إن دخل بها ، فهي امرأته ، وإلا ، [ ص: 215 ] فهي امرأتك إن أدركتها قبل أن يدخل بها .

                                                                                                                        26575 - قال : وأخبرناه الثوري ، عن حماد ، ومنصور ، والأعمش ، عن إبراهيم ، قال : طلق أبو كنف - رجل من نجد - امرأته واحدة ، أو اثنتين ، ثم أشهد على الرجعة ، فلم يبلغها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجت ، فجاء إلى عمر بن الخطاب ، فكتب له : إلى أمير مصر ، إن كان دخل بها الآخر فهي امرأته ، وإلا فهي امرأة الأول .

                                                                                                                        26576 - وقال علي - رضي الله عنه - : هي للأول ، دخل بها الآخر ، أو لم يدخل بها .

                                                                                                                        26577 - وروى وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الحكم أن أبا كنف طلق امرأته ولم يعلمها ، وأشهد على عدتها فلم يعلمها ، فقال له عمر - رضي الله عنه - : إذا أدركتها قبل أن تتزوج ، فأنت أحق بها .

                                                                                                                        26578 - هكذا قال : أن تتزوج ، المحفوظ في هذا الحديث : إلا أن يدخل .

                                                                                                                        26579 - وأما قوله : طلق امرأته ، ولم يعلمها ، فخطأ من الكاتب ، والله أعلم .

                                                                                                                        26580 - وإنما هو طلق وأعلمها ، وأشهد على رجعتها ولم يعلمها .

                                                                                                                        26581 - وكيع ، عن شهبة ، عن الحكم ، قال : قال علي - رضي الله عنه - : [ ص: 316 ] إذا طلقها ، ثم أشهد على رجعتها فهي امرأته ، أعلمها أو لم يعلمها .

                                                                                                                        26582 - وقال أبو بكر : حدثناه عبدة ، عن سعيد ، عن عمر بن عامر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علي كان يقول : هو أحق بها دخل ، أو لم يدخل بها . 26583 - قال أبو عمر : قال بقول عمر في هذه المسألة شريح ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وابن شهاب ، وجابر بن زيد ، وغيرهم .

                                                                                                                        26584 - وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث ، وطائفة مع أهل المدينة .

                                                                                                                        26585 - ومن حجتهم ما رواه ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، أن السنة مضت في الذي يطلق امرأته ، ثم يراجعها ، فيكتمها رجعتها ، ثم تحل ، فتنكح زوجا غيره أنه ليس له من أمرها شيء ، ولكنها من زوجها الآخر .

                                                                                                                        26586 - وهذا الخبر إنما يروى عن ابن شهاب أنه قال : مضت السنة ، لا أذكر فيها سعيدا .

                                                                                                                        26587 - ويرويه ابن شهاب وغيره عن سعيد بن المسيب ، عن عمر أنه قضى بذلك ، لا ذكر فيه للسنة ، ولا يصح فيه ذكر السنة .

                                                                                                                        26588 - وهو عن عمر مع وجوه كثيرة .

                                                                                                                        26589 - وقد خالفه علي في ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 317 ] 26590 - وقد روى قتادة عن خلاس ، عن علي في هذه المسألة أنه غرر الشهود الذين شهدوا في الرجعة واستكتموا ، واتهمهم فجلدهم ، وأجاز الطلاق ، لم يردها إلى زوجها الأول .

                                                                                                                        26591 - وهي رواية منكرة ولو قبل شهادتهم في الرجعة ما جلدهم ، ولا يصح جلد الشهود عنه ، ولا في شيء من الأصول .

                                                                                                                        والمعروف عن علي ما رواه إبراهيم ، والحكم عنه .

                                                                                                                        26592 - وأجمعوا أن مراسيل إبراهيم صحاح .

                                                                                                                        26593 - وهو قول إبراهيم ، وفقهاء الكوفيين ; أبي حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي .

                                                                                                                        26594 - وبه قال الشافعي ، وأبو ثور ، وداود ، كلهم يقول في ذلك بقول علي : الأول أحق بها ، دخل الثاني أم لا .

                                                                                                                        26595 - وأجمع العلماء أن الأول أحق بها لو جاء قبل أن تتزوج كانت امرأته لرجعته إياها .

                                                                                                                        26596 - وهذا يدل على صحة الرجعة مع جهل المرأة بها .

                                                                                                                        26597 - وإذا صحت الرجعة كانت امرأة الأول ، وفسخ نكاح الآخر ، وأمر بفراقها ، وردت إلى الأول بعد العدة من الآخر ; لوطء الشبهة ، واستحقت مهرها منه إن كان قد دخل بها .

                                                                                                                        [ ص: 318 ] 26598 - والحجة في ذلك قول الله عز وجل : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك [ البقرة : 228 ] . وقد فعل .

                                                                                                                        26599 - وهذا القول أقيس .

                                                                                                                        26600 - وقول مالك من طريق الاتباع أظهر ، والله الموفق ، لا شريك له ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية