الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: في أدنى الأرض ؛ قيل: في أطراف الشام؛ وتأويله: " أدنى الأرض من أرض العرب " ؛ وقوله: وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ؛ هذه من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله؛ لأنه أنبأ بما سيكون؛ وهذا لا يعلمه إلا الله - عز وجل -؛ وكان المشركون سروا بأن غلبت فارس الروم؛ وذلك لأنهم قالوا: إنكم أيها المسلمون تزعمون بأنكم تنصرون بأنكم أهل كتاب؛ فقد غلبت فارس الروم؛ وفارس ليست أهل كتاب؛ والروم أهل كتاب؛ فكذلك سنغلبكم نحن؛ فأعلم الله - عز وجل - أن الروم سيغلبون في بضع سنين؛ وسيسر المسلمون بذلك؛ فراهن المسلمون المشركين وبايعوهم على صحة هذا الخبر؛ و " البضع " : ما بين الثلاث إلى التسع؛ فلما مضى بعض البضع [ ص: 176 ] طالب المشركون المسلمين وقالوا: قد غلبناكم؛ لأنه قد مضت بضع سنين؛ ولم تغلب الروم فارس؛ واحتج عليهم المسلمون بأن البضع لم يكمل؛ وزادوهم؛ وأخروهم إلى تمام البضع؛ فغلبت الروم فارس؛ وقمر المسلمون؛ وذلك قبل أن يحرم القمار؛ وفرح المسلمون؛ وخزي الكافرون.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: لله الأمر من قبل ومن بعد ؛ القراءة الضم؛ وعليه أهل العربية؛ والقراء كلهم مجمعون عليه؛ فأما النحويون فيجيزون " من قبل ومن بعد " ؛ بالتنوين؛ وبعضهم يجيز: " من قبل ومن بعد " ؛ بغير تنوين؛ وهذا خطأ؛ لأن " قبل " ؛ و " بعد " ؛ ههنا؛ أصلهما الخفض؛ ولكن بنيتا على الضم لأنهما غايتان؛ ومعنى " غاية " ؛ أن الكلمة حذفت منها الإضافة؛ وجعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف؛ وإنما بنيتا على الضم لأن إعرابهما في الإضافة النصب؛ والخفض؛ تقول: " رأيته قبلك؛ ومن قبلك " ؛ ولا يرفعان؛ لأنهما لا يحدث عنهما؛ لأنهما استعملتا ظرفين؛ فلما عدلا عن بابهما حركا بغير الحركتين اللتين كانتا تدخلان عليهما بحق الإعراب؛ فأما وجوب ذهاب إعرابهما؛ وبناؤهما؛ فلأنهما عرفا من غير جهة التعريف؛ لأنه حذف منهما ما أضيفتا إليه؛ والمعنى: " لله الأمر من قبل أن يغلب الروم؛ ومن بعد ما غلبت " ؛ وأما الخفض والتنوين فعلى من جعلهما نكرتين؛ المعنى: " لله الأمر من تقدم وتأخر " ؛ والضم أجود؛ فأما الكسر بلا تنوين؛ فذكر الفراء أنه تركه على ما كان يكون عليه في الإضافة؛ ولم ينون؛ واحتج بقول الأول: [ ص: 177 ] بين ذراعي وجبهة الأسد

                                                                                                                                                                                                                                        وبقوله:

                                                                                                                                                                                                                                        إلا غلالة أو بداهة قارح نهد الجرارة

                                                                                                                                                                                                                                        وليس هذا كذلك؛ لأن معنى " بين ذراعي وجبهة الأسد " ؛ بين ذراعيه؛ وجبهته؛ فقد ذكر أحد المضافين إليهما؛ وذلك لو كان " لله الأمر من قبل ومن بعد كذا " ؛ لجاز وكان المعنى: " من قبل كذا ومن بعد كذا " ؛ وليس هذا القول مما يعرج عليه؛ ولا قاله أحد من النحويين المتقدمين.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: من بعد غلبهم ؛ " الغلب " ؛ و " الطلب " ؛ مصدران؛ تقول: " غلبت غلبا " ؛ و " طلبت طلبا " ؛ وزعم بعض النحويين أنه في الأصل: " من بعد غلبتهم " ؛ وذكر أن الإضافة لما وقعت حذفت هاء الغلبة؛ وهذا خطأ؛ " الغلبة " ؛ و " الغلب " ؛ مصدر " غلبت " ؛ مثل " الجلب " ؛ و " الجلبة " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية