الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4915 باب العدل بين النساء ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء . . . " إلى قوله : واسعا حكيما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في بيان العدل بين النساء ; يعني إذا كان رجل له امرأتان أو ثلاث أو أربع يجب عليه أن يعدل بينهن في القسم إلا برضاهن بأن يرضين بتفضيل بعضهن على بعض ، ويحسن معهن عشرتهن ولا يدخل بينهن من التحاسد والعداوة ما يكدر صحبته لهن ، وتمام العدل أيضا بينهن تسويتهن في النفقة والكسوة والهبة ونحوها .

                                                                                                                                                                                  قوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ; أي لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك ; لأن ذلك مما لا تملكونه ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك ، وروت الأربعة من حديث عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك . قوله " فيما أملك " ; أي فيما قدرتني عليه مما يدخل تحت القدرة والاختيار بخلاف ما لا قدرة عليه من ميل القلب ، فإنه لا يدخل تحت القدرة .

                                                                                                                                                                                  وروى الأربعة أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط . قيل : المراد سقوط شقه حقيقة ، أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى ، والظاهر الحقيقة تدل عليها رواية أبي داود " وشقه مائل والجزاء من جنس العمل " ، ولما لم يعدل أو حاد عن الحق والجور الميل كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل ، فإن قلت : أمر المزوجون بالعدل بين نسائهم والآية تخبر بأنهم لا يستطيعون أن يعدلوا ! قلت : المنفي في الآية العدل بينهن من كل جهة ، ألا ترى كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم " فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ؟ وقال الترمذي : يعني به الحب والمودة ; لأن ذلك مما لا يملكه الرجل ولا هو في قدرته . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت . وقال ابن المنذر : دلت هذه الآية على أن التسوية بينهن في المحبة غير واجبة ، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عائشة أحب إليه من غيرها من أزواجه فلا تميلوا كل الميل بأهوائكم حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا في القسم على التي لا تحبون .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إلى قوله : واسعا حكيما ; يعني إلى آخر الآيتين ، وأولهما من قوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما " .

                                                                                                                                                                                  قوله فلا تميلوا كل الميل ; أي فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضاها .

                                                                                                                                                                                  قوله فتذروها ; أي فتتركوها كالمعلقة وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة ، وقيل : لا أيم ولا ذات زوج .

                                                                                                                                                                                  قوله وإن تصلحوا ; أي فيما بينكم وبينهن بالاجتهاد منكم في العدل [ ص: 200 ] بينهن وتتقوا الميل فيهن فإن الله غفور ما عجزت عنه طاقتكم من بلوغ الميل منكم فيهن .

                                                                                                                                                                                  قوله وإن يتفرقا ; يعني وإن يفارق كل منهما صاحبه يغن الله كلا ; يعني يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه ، والسعة الغنى والقدرة ، والواسع الغني المقتدر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية